وَرَوَى الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال " ما على المسلم زكاة في عبده ولا فَرَسِهِ إِلَّا صَدَقَةُ الْفِطْرِ " وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نفس مسلمة حرة أو مملوكة صدقة، وكان وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ مُقَيَّدًا بِالْإِسْلَامِ، فَلَمْ تَجِبْ بِفَقْدِهِ وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَضَ صَدَقَةَ الْفِطْرِ طهرةٌ لِلصَّائِمِ مِنَ اللَّغْوِ والرفث وطعمةٌ للمساكين، فأخبر أَنَّهَا طُهْرَةٌ وَالْكَافِرُ لَا يَتَطَهَّرُ بِهَا وَأَنَّهَا للصائم، والكافر لا صوم له فثبت، أَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَى الْكَافِرِ وَلَا عَنِ الْعَبْدِ الْكَافِرِ، وَلِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مُشْرِكٌ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَلْزَمَ زَكَاةُ فِطْرِهِ كَمَا لَوْ كَانَ مِلْكًا لِمُشْرِكٍ، وَلِأَنَّ وُجُوبَ أَدَاءِ الْفِطْرَةِ عَنْ نفسه أوكد من وجوب أدائه عَنْ غَيْرِهِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ أَصْلٌ وَهُمْ فَرْعٌ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ إِذَا ضَاقَ مَالُهُ عَنْ جَمِيعِهِمْ بَدَأَ بِأَدَائِهَا عَنْ نَفْسِهِ، فَالْبِدَايَةُ إِنَّمَا تَكُونُ بِالْأَوْكَدِ ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ الْكُفْرَ مُؤَثِّرٌ فِي إِسْقَاطِهَا عَنْ نَفْسِهِ فَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ كَافِرًا كَانَ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُؤَثِّرًا فِي إِسْقَاطِهَا عَنْ عَبْدِهِ، إِذَا كَانَ كَافِرًا، وَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ شَرْطٌ مُعْتَبَرٌ فِي وُجُوبِ الْفِطْرَةِ بِإِجْمَاعٍ وَلَيْسَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الدَّافِعِ أَوِ الْمَدْفُوعِ عَنْهُ أَوْ فِيهِمَا جَمِيعًا مَعًا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا فِي الدَّافِعِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ يَتَحَمَّلُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلَا فِي الْمَدْفُوعِ عَنْهُ وَحْدَهُ لِأَنَّ وُجُوبَهَا على غيره فثبت أنه معتبر فيهما مَعَ كَوْنِهِ عَامًّا، وَعَلَى الْأُصُولِ فِي ذَوِي الألباب مطرداً، وبهذا يبطل استدلاله وتعارض قِيَاسَهُ وَبِخَبَرِنَا نَخُصُّ خَبَرَهُ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ مَلَكَ الْمُسْلِمُ عَبْدًا مُسْلِمًا فَارْتَدَّ الْعَبْدُ عَنِ الْإِسْلَامِ فِي هِلَالِ شَوَّالٍ ثُمَّ عَادَ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَفِي وُجُوبِ زَكَاةِ فِطْرِهِ عَلَى السَّيِّدِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مُخَرَّجَةٍ مِنِ اخْتِلَافِ أَقَاوِيلِهِ فِي رِدَّةِ رَبِّ الْمَالِ فِي حَوْلِهِ، هَلْ تُؤَثِّرُ فِي إِسْقَاطِ زَكَاتِهِ.
أَحَدُهَا: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ رَبَّ الْمَالِ إِذَا عَادَ اسْتَأْنَفَ حَوْلَهُ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ عَلَيْهِ زَكَاةُ فِطْرِهِ، وَعَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ في رب المال أن عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ عَادَ إِلَى الْإِسْلَامِ أَوْ لَمْ يَعُدْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا مَوْقُوفَةٌ عَلَى إِسْلَامِهِ إِذَا قُلْنَا: إِنَّ زَكَاةَ رَبِّ الْمَالِ مَوْقُوفَةٌ فإن عاد إلى الإسلام وجبت عنه الْفِطْرَةُ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَمْ تَجِبْ كَمَا إِذَا عَادَ رَبُّ الْمَالِ إِلَى الْإِسْلَامِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةُ مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ لَمْ يَجِبْ.
: فَلَوْ مَلَكَ الْكَافِرُ عَبْدًا مُسْلِمًا، إما بأن كان العبد كَافِرًا فَأَسْلَمَ، وَأَهَّلَ شَوَّالٌ قَبْلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute