قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا اجْتَمَعَ رُمَاةُ الْحِزْبَيْنِ، وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنَ الْجِهَتَيْنِ، فَقَالَ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ: أَنَا أُخْرِجُ مَالَ السَّبَقِ عَلَى أَنْ أَخْتَارَ لِحِزْبِي مَنْ أَشَاءُ أن تَكُونَ أَنْتَ الْمُخْرِجَ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ لِحِزْبِكَ مَنْ تَشَاءُ، لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ هَذَا الشَّرْطُ فَاسِدًا، لِأَنَّ كِلَا الْأَمْرَيْنِ مِنْ إِخْرَاجِ الْمَالِ وَتَعْيِينِ الْحِزْبِ لَا يَصِحُّ إِلَّا عَنْ مُرَاضَاةٍ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَشْرُوطًا بِالْآخَرِ لِخُرُوجِهِ عَنِ الِاخْتِيَارِ إِلَى الِالْتِزَامِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: إِنْ كَانَ فُلَانٌ مَعِي فَمَالُ السَّبَقِ عَلَيْكَ، وَإِنْ كَانَ مَعَكَ فَمَالُ السَّبَقِ عَلَيَّ لم يصح لما ذكرناه.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَا عَلَى أَنْ أَسْبِقَ وَلَا عَلَى أَنْ يَقْتَرِعَا فَأَيُّهُمَا خَرَجَتْ قُرْعَتُهُ سَبَقَهُ صَاحِبُهُ لِأَنَّ هَذَا مخاطرةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَفِيهَا تَأْوِيلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقْتَرِعَ الزَّعِيمَانِ عَلَى أَنَّ أَيَّهُمَا قَرَعَ كَانَ الْمَقْرُوعُ مُخْرِجَ السَّبَقِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَارِعُ مُخْرِجَ السَّبَقِ لَمْ يَجُزْ أَيْضًا، لِأَنَّهُ عَقْدُ مُرَاضَاةٍ لَا مَدْخَلَ لِلْقُرْعَةِ فِي عَرْضِهِ.
وَالتَّأْوِيلُ الثَّانِي: أَنْ يَتَنَاضَلَ الزَّعِيمَانِ سَهْمًا وَاحِدًا، فَإِنْ أَصَابَهُ أَحَدُهُمَا، وَأَخْطَأَهُ الْآخَرُ كَانَ الْمُخْطِئُ مُلْتَزِمَ الْمَالِ، فِي عَقْدِ النِّضَالِ الْمُسْتَقْبَلِ، فَهَذَا أَيْضًا لَا يَجُوزُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: " لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ ".
وَهَكَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ: أَنَا أَرْمِي بِسَهْمِي هَذَا، فَإِنْ أَصَبْتُ بِهِ، كَانَ مَالُ السَّبَقِ عَلَيْكَ، وإن أخطأت به كان حال السَّبَقِ عَلَيَّ، لِأَنَّهَا مُخَاطَرَةٌ، وَجَارِيَةٌ مَجْرَى الْمُقَارَعَةِ.
[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَإِذَا حَضَرَ الْغَرِيبُ أَهْلَ الْغَرَضِ فَقَسَّمُوهُ فَقَالَ مَنْ مَعَهُ كُنَّا نَرَاهُ رَامِيًا أَوْ مَنْ يَرْمِي عَلَيْهِ كُنَّا نَرَاهُ غَيْرَ رامٍ وَهُوَ مِنَ الرُّمَاةِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَنْ عَرَفُوهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا اجْتَمَعَ الزَّعِيمَانِ لِلْعَقْدِ، وَهُوَ غَرِيبٌ لَمْ يَعْرِفُوهُ، فَأَخَذَهُ أَحَدُ الزَّعِيمَيْنِ فِي حِزْبِهِ، وَدَخَلَ فِي عَقْدِهِ، وَشَرَعُوا فِي الرَّمْيِ، فَلَهُ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ لَا يُحْسِنَ الرَّمْيَ، وَلَا يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ، فَالْعَقْدُ فِي حَقِّهِ بَاطِلٌ، لِأَنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، فِي عَمَلٍ مَعْدُومٍ مِنْهُ، فَصَارَ كَمَنِ اسْتُؤْجِرَ لِلْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ بِكَاتِبٍ، وَلِلصِّنَاعَةِ، وَلَيْسَ بِصَانِعٍ، يَكُونُ الْعَقْدُ عَلَيْهِ بَاطِلًا، كَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ فِي عَقْدِ الرَّمْيِ،