وَالثَّانِي: إِنَّهُ قَدْ يَحْشِمُ مِنْ أَكْلِهِ الْمُصَلُّونَ، فَرُبَّمَا دَعَاهُمْ ذَلِكَ إِلَى الْخُرُوجِ.
وَالثَّالِثُ: إِنَّهُ رُبَّمَا كَانَ فِي طَعَامِهِ قِلَّةٌ فَاسْتَحْيَى مِنْ إِظْهَارِهِ أَوْ كَانَ يَفْسُدُ إِنْ أُخْرِجَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلِذَلِكَ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إِلَى مَنْزِلِهِ لِلْأَكْلِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا شُرْبُ الْمَاءِ فَإِنِ اشْتَدَّ عَطَشُهُ وَعَدِمَ الْمَاءَ فِي مَسْجِدِهِ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ إِلَى مَنْزِلِهِ، وَإِنْ كَانَ وَاجِدًا لِلْمَاءِ فِي مَسْجِدِهِ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَهُ كَالْأَكْلِ، وَأَجَازَ لَهُ الْخُرُوجَ، لِأَجْلِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ مِنَ الْخُرُوجِ لَهُ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ، بِخِلَافِ الْأَكْلِ لِأَنَّ فِي الْأَكْلِ فِي الْمَسْجِدِ بِذْلَةً لَيْسَتْ فِي شُرْبِ الْمَاءِ وَلِأَنَّ اسْتِطْعَامَ الطَّعَامِ مَكْرُوهٌ، وَاسْتِسْقَاءَ الْمَاءِ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَقَدِ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَاءَ، وَلَمْ يَسْتَطْعِمِ الطَّعَامَ، وَمَتَى أَقَامَ الْمُعْتَكِفُ فِي مَنْزِلِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ حَاجَتِهِ بَطَلَ اعتكافه.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ وَيَخِيطَ وَيُجَالِسَ الْعُلَمَاءَ وَيُحَدِّثَ بِمَا أَحَبَّ مَا لَمْ يَكُنْ مأثماً ولا يفسده سباب ولا جدالٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ وَعَمَلُ الصَّنَائِعِ فِي الْمَسْجِدِ، فَمَكْرُوهٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ لِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ وَلِرِوَايَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ جَنِّبُوا مَسَاجِدَكُمْ صُنَّاعَكُمْ فَلَوْ بَاعَ الْمُعْتَكِفُ، وَاشْتَرَى وَعَمِلَ صِنَاعَةً مِنْ خِيَاطَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ، وَقَلِيلُ ذَلِكَ أَخَفُّ مِنْ كَثِيرِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلِ اعْتِكَافُهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ هُوَ اللُّبْثُ فِي مَكَانٍ مَخْصُوصٍ، فَلَمَّا لَمْ يُفَارِقِ اللُّبْثَ فَهُوَ عَلَى الِاعْتِكَافِ، وَلِأَنَّ الصَّوْمَ وَالْحَجَّ مَعَ تَغْلِيظِ حُكْمِهِمَا، لَا يَمْنَعَانِ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ فَكَذَلِكَ الِاعْتِكَافُ.
: فَأَمَّا مُجَالَسَةُ الْعُلَمَاءِ وَمُذَاكَرَتُهُمْ فَمُسْتَحَبَّةٌ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ، وَحُكِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ ذَلِكَ لِلْمُعْتَكِفِ، وَهَذَا خَطَأٌ، لِأَنَّ الْمُذَاكَرَةَ بِالْعِلْمِ قُرْبَةٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فِي بُيُوتٍ أَذَنَ اللهُ أنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) {النور: ٣٦) وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِنَّمَا بُنِيَتِ الْمَسَاجِدُ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute