للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ، أَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِسْلَامَ إِذَا كَانَ كَافِرًا فَمَلَكَ الْإِقْرَارَ بِهِ. وَلَمْ يَمْلِكِ الْحُرِّيَّةَ إِذَا كَانَ عَبْدًا فَلَمْ يَمْلِكِ الْإِقْرَارَ بِهَا.

وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَّا بِخَبَرٍ مِنْهُ: يَعْنِي مِنَ الحاكم؛ لأن يَجُوزُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْمَلَ بِعِلْمِهِ فِي أَسْبَابِ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا.

وَكَانَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ يَحْمِلُ الْجَمِيعَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ فِي الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ، هَلِ الْحَكَمُ يَعْمَلُ فِيهِمَا بِعِلْمِهِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَوْلَى لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْمَعْنَى.

فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَلَا يُقْبَلُ الشَّاهِدُ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخَبَرٍ مِنْهُ أَوْ بَيِّنَةٍ تَشْهَدُ أَنَّهُ حُرٌّ. فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي مُرَادِهِ بِنَفْيِ الْقَبُولِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَعْلَمَ حُرِّيَّةَ الشَّاهِدِ وَإِسْلَامَهُ فَيَسْمَعُهَا ثُمَّ يَسْأَلُ عَنْ عَدَالَتِهِ بِظُهُورِ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، وَخَفَاءِ الْعَدَالَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُحْكَمُ بِهَا حَتَّى يَعْلَمَ حُرِّيَّتَهُ وَإِسْلَامَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَسْمَعَهَا قَبْلَ الْعِلْمِ بِحُرِّيَّتِهِ وَإِسْلَامِهِ كالعدالة والله أعلم.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ جَارٍ إِلَى نَفْسِهِ وَلَا دَافِعٍ عَنْهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يَخْلُوَ مِنَ التُّهَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلا تَرْتَابُوا} [البقرة: ٢٨٢] وَالتُّهْمَةُ رِيبَةٌ.

وَرَوَى الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينٍ وَلَا ذِي الْإِحْنَةِ " فَالْخَصْمُ الْمُنَازِعُ وَالظَّنِينُ: الْمُتَّهَمُ. وَذِي الْإِحْنَةِ: الْعَدُوُّ.

فَمِنَ الْمَتْهُومِينَ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانُوا عُدُولًا، مَنْ يَجُرُّ بِشَهَادَتِهِ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، أَوْ يَدْفَعُ عَنْهَا ضَرَرًا. فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ.

فَمِنْ جَرِّ النَّفْعِ، أَنْ يَشْهَدَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِمَالِ عَبْدِهِ، وَمُسْتَحِقٌّ أَخْذَ الْمَالِ مِنْ مُكَاتَبِهِ لِجَوَازِ عَوْدِهِ إِلَى رِقِّهِ.

وَمِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ الْوَكِيلُ لِمُوَكِّلِهِ فِيمَا هُوَ وَكِيلٌ فِيهِ، لِجَوَازِ تَصَرُّفِهِ فِيهِ إِذَا ثَبَتَ، فَكَانَ نَفْعًا. وَفِي جَوَازِ شَهَادَتِهِ لَهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ وَكِيلٌ فيه وجهان:

<<  <  ج: ص:  >  >>