وَالثَّانِي: أَنَّهُ ضَمَانٌ مَجْهُولٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الْكُلِّ أَوِ الْبَعْضِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى وزفر: إن ضمان الدَّرْك بِأَمْرِ الْبَائِعِ صَحَّ وَإِنَّ ضَمِنَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ بَطَلَ، لِالْتِزَامِهِ حُكْمَ عَقْدِهِ وَهَذَا خَطَأٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى جَوَازِهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ الْجُمْهُورِ أَنَّ مَا دَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَيْهِ صَحَّ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِهِ وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إِلَى ضَمَانِ الدَّرْكِ لِمَا لِلنَّاسِ مِنْ حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى التَّوَثُّقِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَقَدْ لَا يُوثَقُ بِذِمَّةِ الْبَائِعِ لِهَوَانِهَا فَاحْتِيجَ إِلَى التَّوْثِيقِ عَلَيْهِ بِغَيْرِهِ وَالْوَثَائِقُ ثَلَاثٌ: الشَّهَادَةُ وَالرَّهْنُ وَالضَّمَانُ.
وَالشَّهَادَةُ إِنَّمَا تُقَيِّدُ التَّوْثِيقَ مِنْ ذِمَّتِهِ لَا غَيْرَ فَلَمْ تُؤَثِّرْ فِي هَذَا الْمَقْصُودِ وَالرَّهْنُ فِيهِ اسْتِدَامَةُ ضَرَرٍ لِاحْتِبَاسِهِ إِلَى مُدَّةٍ لَا يُعْلَمُ غَايَتُهَا وَأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَصِلُ إِلَى غَرَضِهِ مِنَ الثَّمَنِ إِذَا أَعْطَاهُ رِهَانَهُ وَهَذَا الضَّرَرُ زَائِلٌ عَنِ الضَّمَانِ وَالتَّوَثُّقُ الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِهِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّتِهِ وَجَوَازِهِ وَلَا يَكُونُ ضَمَانًا مَوْقُوفًا كما قال أبو العباس لأن المبيع إذا كَانَ مُسْتَحَقًّا حِينَ الْعَقْدِ فَالضَّمَانُ جَائِزٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَحَقٍّ فَلَا ضَمَانَ فَلَمْ يَتَرَدَّدْ بَيْنَ حَالٍ نَظَرًا فَيَصِيرُ مَوْقُوفًا وَلَا يَكُونُ ضماناً مجهولاً لأن الثمن معلوم ويكون اسْتِحْقَاقُ بَعْضِهِ مُفْضِيًا إِلَى جَهَالَتِهِ كَمَا يَكُونُ ضَمَانُهُ ألفا إِذَا قَامَتْ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بَيِّنَةٌ بِأَدَاءِ بَعْضِهِ فَسُقُوطُ الضَّمَانِ فِيهِ مُفْضٍ إِلَى جَهَالَتِهِ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ جَائِزٌ فَهُوَ مُوجِبٌ لِغُرْمِ الثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ وَرُوِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَعُثْمَانِ الْبَتِّيِّ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ مُوجِبٌ لِتَخْلِيصِ الْمَبِيعِ مَا كَانَ مَوْجُودًا إِلَّا أَنْ يَتْلَفَ فَيَغْرَمُ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا أَوْ عَقَارًا.
وَحُكِيَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ: أَنَّ ضَامِنَ الدَّرْكِ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِالِاسْتِحْقَاقِ عِنْدَ ضَمَانِهِ لَزِمَهُ تَخْلِيصُ الْمَبِيعِ. وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ غَرِمَ ثَمَنَهُ. وَكِلَا الْمَذْهَبَيْنِ فَاسِدٌ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْمَبِيعِ مُوجِبٌ لِفَسَادِ الْعَقْدِ وَفَسَادُهُ يَمْنَعُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ مَا تَضَمَّنَهُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الرُّجُوعَ بِالْمَدْفُوعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْتَحَقِّ غَيْرُ مُمْكِنٍ عِنْدَ امْتِنَاعِ الْمُسْتَحِقِّ فَلَمْ يَنْصَرِفِ الضَّمَانُ إِلَيْهِ.
: فَأَمَّا إِنْ ضَمِنَ لَهُ خَلَاصَ الْمَبِيعِ فَقَدْ ذَهَبَ أَهْلُ الْعِرَاقِ إِلَى جَوَازِهِ وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَقَالَ بِهِ تَعَلُّقًا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَلَوْ ضَمِنَ لَهُ عُهْدَةَ دَارِهِ وَخَلَاصِهَا وَهَذَا خَطَأٌ عَلَيْهِ فِي التَّأْوِيلِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بِالْخَلَاصِ إِنَّمَا هُوَ خَلَاصُ مَا يَجِبُ بِالِاسْتِحْقَاقِ مِنَ الثَّمَنِ أَلَا تَرَاهُ قَالَ: فَالثَّمَنُ عَلَى الضَّامِنِ؟ وَإِنَّمَا بَطَلَ ضَمَانُ خَلَاصِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْمَعْنَيَيْنِ.
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ ضَمَانَ الدَّرْكِ مُوجِبٌ لِغُرْمِ الثَّمَنِ فَالْمُشْتَرِي يَسْتَحِقُّ الرُّجُوعَ بِالثَّمَنِ عَلَى الْبَائِعِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الِاسْتِحْقَاقُ. وَالْإِقَالَةُ. وَالرَّدُّ بِالْعَيْبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute