للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي يُؤْدَمُ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِ الحديث: أنه يعني يَدُومُ فَقَدَّمَ الْوَاوَ عَلَى الدَّالِ كَمَا قَالَ في ثمر الأراكة: " كلوا منه الأسود فإنه أطيب " بِمَعْنَى أَطْيَبَ فَيَكُونُ مَأْخُوذًا مِنَ الدَّوَامِ.

وَالْقَوْلُ الثاني: - وهو قول أهل اللغة - أنه المحابة وإن لا يتنافروا مأخوذاً من إدام الطعام، لأنه يطيب به فيكون مأخوذاً من إدام لا من الدوام، ثم من مر الدليل على جواز أن ينظر المعقود عليه أبلغ في صحة العقد من فَقْدِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَى نَظَرِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِخُرُوجِهِمَا عَنْ حُكْمِ الْعَوْرَةِ وَإِنَّ فِي الْوَجْهِ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى الْجَمَالِ، وَفِي الْكَفَّيْنِ مَا يستدل به على خصب البدن ونعمته فَأَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنِ النَّظَرِ إِلَى غَيْرِهِ.

فَصْلٌ

[الْقَوْلُ فِي النَّظَرِ إِلَى الْمَرْأَةِ بِلَا إِذْنٍ]

فَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ جَازَ نَظَرُهُ بِإِذْنِهَا وَغَيْرِ إِذْنِهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَّا بِإِذْنِهَا وَدَلِيلُنَا رِوَايَةُ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إن خَطَبَ أَحَدُكُمُ امْرَأَةً فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ " قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا، وَلِأَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّظَرُ مُبَاحًا لَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى إِذْنٍ، وَإِنْ كَانَ مَحْظُورًا لَمْ يُسْتَبَحْ بِالْإِذْنِ.

فَصْلٌ

[الْقَوْلُ في حالات جواز النظر إلى الأجنبية]

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَخْلُ نَظَرُ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ إِلَى الْمَرْأَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ مِنْ أَحَدِ أمرين: إما أَنْ يَكُونَ لِسَبَبٍ أَوْ لِغَيْرِ سَبَبٍ، فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ سَبَبٍ مُنِعَ مِنْهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصَارِِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) {النور: ٣١) . وَمُنِعَتْ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) {النور: ٣١) ، وَلِأَنَّ نَظَرَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى صاحبه داعية إلى الافتتان به رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَرَفَ وَجْهَ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَدِيفَهُ بِمِنَى عَنِ النَّظَرِ إِلَى الْخَثْعَمِيَّةِ، وَكَانَتْ ذَاتَ جَمَالٍ وَقَالَ: شَابٌّ وَشَابَّةٌ، وَأَخَافُ أَنْ يَدْخُلَ الشَّيْطَانُ بَيْنَهُمَا.

فَإِنْ نَظَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى عَوْرَةِ صَاحِبِهِ كَانَ حَرَامًا، وَإِنْ نَظَرَ إلى عورة غيره كَانَ مَكْرُوهًا، فَإِنْ كَانَ النَّظَرُ لِسَبَبٍ فَضَرْبَانِ: محظور ومباح، فالمحظور كالنظر بمعصية وَفُجُورٍ فَهُوَ أَغْلَظُ تَحْرِيمًا، وَأَشَدُّ مَأْثَمًا مِنَ النَّظَرِ بِغَيْرِ سَبَبٍ، وَالْمُبَاحُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ لِضَرُورَةٍ كَالطَّبِيبِ يُعَالِجُ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِ الْمَرْأَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى ما دعت إليه الْحَاجَةُ إِلَى عِلَاجِهِ مِنْ عَوْرَةٍ وَغَيْرِهَا، إِذَا أَمِنَ الِافْتِتَانَ بِهَا وَلَا يَتَعَدَّى بِنَظَرِهِ إِلَى مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى عِلَاجِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>