وَالثَّالِثُ: أَنْ يَحْكُمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِحَقٍّ غَائِبٍ.
وَالرَّابِعُ: أَنْ يَحْكُمَ لِحَاضِرٍ عَلَى غَائِبٍ بِحَقٍّ حَاضِرٍ.
فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِحَاضِرٍ عَلَى حَاضِرٍ بِحَقٍّ حَاضِرٍ فَالْحَقُّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ عَيْنًا حَاضِرَةً فَيَحْكُمُ الْقَاضِي بِهَا لِمَنِ اسْتَحَقَّهَا إِمَّا بِإِقْرَارٍ، أَوْ بِبَيِّنَةٍ، وَيَنْتَزِعُهَا مِنْ يَدِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَيُسَلِّمُهَا إِلَى الْمَحْكُومِ لَهُ وَلَا يَجُوزُ فِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَكْتُبَ بِهِ الْقَاضِي إِلَى غَيْرِهِ سَوَاءٌ أَقَامَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ أَوْ هَرَبَ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي بَدَنِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ مُقِيمًا بَعْدَ الْحُكْمِ اسْتَوْفَاهُ مِنْهُ وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ الْقَاضِي إِلَى غَيْرِهِ.
فَإِنْ هَرَبَ بَعْدَ الْحُكْمِ عَلَيْهِ وَقَبْلَ اسْتِيفَائِهِ مِنْهُ جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَكْتُبَ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ الْهَارِبُ بِمَا حَكَمَ عَلَيْهِ، مِنْ قِصَاصٍ أَوْ حَدٍّ لِيَسْتَوْفِيَهُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إِلَيْهِ، وَهَذَا حُكْمٌ عَلَى حَاضِرٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكْتُبَ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ عَلَى غَائِبٍ.
وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ فِي ذِمَّةِ الْمَحْكُومِ عَلَيْهِ مِنَ الْأَمْوَالِ الثَّابِتَةِ فِي الذِّمَمِ.
فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مُقِيمًا اسْتَوْفَاهُ الْقَاضِي مِنْهُ لِمُسْتَحِقِّهِ وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إِلَى غَيْرِهِ.
وَإِنْ هَرَبَ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ مِنْهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ اسْتَوْفَاهُ مِنْ مَالِهِ، وَلَمْ يَكْتُبْ بِهِ إِلَى قَاضٍ غَيْرِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ جَازَ أَنْ يَكْتُبَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي هَرَبَ إِلَيْهِ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ، لِيَسْتَوْفِيَهُ وَهُوَ قَضَاءٌ عَلَى حَاضِرٍ وَلَيْسَ بِقَضَاءٍ عَلَى غَائِبٍ.
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وَهُوَ أَنْ يَحْكُمَ لِحَاضِرٍ عَلَى حَاضِرٍ بِحَقٍّ غَائِبٍ فَهَذَا يَكُونُ فِي الْأَعْيَانِ دُونَ الذِّمَمِ وَهَذَا مِمَّا يَكْتُبُ بِمِثْلِهِ الْقُضَاةُ.
وَثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهِ قَدْ يَكُونُ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يُقِرَّ بِهِ الْمَطْلُوبُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَثْبُتَ بِيَمِينِ الطَّالِبِ بَعْدَ نُكُولِ الْمَطْلُوبِ.
وَالثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ شَهِدَتْ بِهِ لِلطَّالِبِ عَلَى الْمَطْلُوبِ.
فَإِنْ ثَبَتَ الِاسْتِحْقَاقُ بِإِقْرَارِ الْمَطْلُوبِ كَانَ الْقَاضِي فِيمَا يَكْتُبُ بِهِ مِنْ حُكْمِهِ مُخَيَّرًا بَيْنَ أَنْ يَذْكُرَ ثُبُوتَ اسْتِحْقَاقِهِ بِإِقْرَارِهِ أَوْ لَا يَذْكُرَ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ لَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً بِاسْتِحْقَاقِهِ لَمْ تُقْبَلْ مِنْهُ.