للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أحدهما: أن يكون قادراً على الطلب، والحال الثاني: أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الطلب فله ثلاثة أحوال:

أحدهما: أَنْ يُبَادِرَ إِلَى الطَّلَبِ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ مِنَ الشُّفْعَةِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى حُكْمِ حَاكِمٍ فِي الْأَخْذِ بِهَا؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ وَإِنَّمَا يُفْتَقَرُ إِلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ فِيمَا ثَبَتَ بِاجْتِهَادِهِ.

فَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ حِينَ بَادَرَ بِالطَّلَبِ: أَنْظِرُونِي بِالثَّمَنِ وَاحْكُمُوا لِي بِالْمِلْكِ لَمْ يَجُزْ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: احْكُمُوا لِي بِالْمِلْكِ حَتَّى أُحْضِرَ الثَّمَنَ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ بِالْمِلْكِ حَتَّى يَكُونَ الثَّمَنُ حَاضِرًا، فَلَوْ أَحْضَرَ رَهْنًا بِالثَّمَنِ، أَوْ عِوَضًا عَنْهُ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُزِيلَ الضَّرَرَ عَنْ نَفْسِهِ بِالشُّفْعَةِ وَيُدْخِلَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالتَّأْخِيرِ.

فَإِنْ سَأَلَ الْوَقْفَ حَتَّى يَحْضُرَ الثَّمَنُ جَازَ أَنْ يُنْظِرَهُ الْحَاكِمُ يَوْمًا، أَوْ يَوْمَيْنِ وَأَكْثَرُهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ جَاءَ بِالثَّمَنِ كَانَ عَلَى حَقِّهِ مِنَ الشُّفْعَةِ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنِ الْمُدَّةِ الَّتِي أَنْظَرَهُ الْحَاكِمُ بِهَا بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ.

فَصْلٌ

: وَالْحَالُ الثَّانِي مِنْ أَحْوَالِ الشَّفِيعِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَعْفُوَ عَنِ الشُّفْعَةِ، وَالْعَفْوُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: صَرِيحٌ وَتَعْرِيضٌ، فَالصَّرِيحُ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَفَوْتُ عَنِ الشُّفْعَةِ، أَوْ تَرَكْتُهَا، وَنَزَلْتُ عَنْهَا فَهَذَا مُبْطِلٌ لِشُفْعَتِهِ.

وَالتَّعْرِيضُ أَنْ يُسَاوِمَ الْمُشْتَرِيَ فِي الشِّقْصِ أَوْ يُطَالِبَهُ بِالْقِسْمَةِ، أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ مِنْهُ أَوْ يُسَاقِيَهُ عَلَيْهِ.

فَهَلْ يَكُونُ التَّعْرِيضُ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ كَصَرِيحِ الْعَفْوِ فِي إِبْطَالِ الشُّفْعَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا فِي الْقَدِيمِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ كَالصَّرِيحِ فِي إِبْطَالِ الشُّفْعَةِ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي الْمَقْصُودِ بِالْعَفْوِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ عَلَى حَقِّهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِالْعَفْوِ لِمَا فَرَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْخِطْبَةِ بَيْنَ حُكْمِ التَّعْرِيضِ وَالتَّصْرِيحِ.

فَأَمَّا قَوْلُهُ لِلْمُشْتَرِي: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي صَفْقَتِكَ، فَلَيْسَ بِعَفْوٍ صَرِيحٍ وَلَا تَعْرِيضٍ؛ لِأَنَّ وُصُولَهُ إِلَى الثَّمَنِ مِنَ الشَّفِيعِ بَرَكَةٌ فِي صَفْقَتِهِ، وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ لِلْمُشْتَرِي فِي ابْتِيَاعِهِ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا صَرِيحًا، وَلَا تَعْرِيضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ وَثِيقَةٌ فِي الْبَيْعِ الَّذِي بِتَمَامِهِ يَسْتَحِقُّ الشُّفْعَةَ وَجَعَلَ أبو حنيفة هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ عَفْوًا صَرِيحًا.

وَأَمَّا إِنْ قَالَ سَأَعْفُو، أَوْ قَالَ إِنْ شِئْتَ عفوت فليس ذلك عفواً.

<<  <  ج: ص:  >  >>