للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِنْ صَحَّ. وَلَيْسَ يُنْكِرُ مِنَ الْعُلَمَاءِ التَّوَقُّفُ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ. هَذَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ تَوَقَّفَ فِي أَشْيَاءَ حَتَّى نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ: " الْمُؤْمِنُ وَقَّافٌ وَالْمُنَافِقُ وَثَّابٌ ". وَيَكُونُ مَقْصُودُ الشَّافِعِيِّ بِذِكْرِ الْقَوْلَيْنِ أَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِبْطَالُ مَا عَدَاهُمَا أَنْ يَكُونَ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَجْهٌ وَالثَّانِي إِثْبَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ لَهُ فِي الِاجْتِهَادِ وَجْهًا وَلَيْسَ يُجِيبُ بِهِمَا إِذَا اسْتُفْتِي فَيُخَيِّرُ السَّائِلَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا يَجْتَهِدُ رَأْيَهُ فِي الْجَوَابِ بِأَحَدِهِمَا فَلَمْ يَصِرْ قَائِلًا بِهِمَا وَلَا مُعْتَقِدًا لِصِحَّتِهِمَا، وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ الْأَصَحَّ، وَإِنْ لَمْ يَقْطَعْ فِي الْحَالِ بِالْأَصَحِّ وَهَذَا إِنَّمَا قَالَهُ فِي عَدَدٍ مِنَ الْمَسَائِلِ قِيلَ إِنَّهَا سَبْعَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً. فَلَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الِاعْتِرَاضِ، وَلَا أُبْطِلَ مَا قَرَّرَهُ مِنْ مَذْهَبِهِ فِي الِاجْتِهَادِ. وَفِي هَذَا التَّقْسِيمِ انْفِصَالٌ عَنْ الِاعْتِرَاضِ فَسَقَطَ بِهِ الِاعْتِرَاضُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

( [الِاعْتِرَاضُ عليه بأجور المجتهدين] )

[(مسألة)]

: قال الشافعي: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجتهد فأخطأ فله أجر " (قال الشافعي) فأخبره أنه يثاب على أحدهما أكثر مما يثاب على الآخر فلا يكون الثواب فيما لا يسع ولا في الخطأ الموضوع (قال المزني) رحمه الله: أنا أعرف أن الشافعي قال لا يؤجر على الخطأ وإنما يؤجر على قصد الصواب وهذا عندي هو الحق ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَالْمَقْصُودُ بِهَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمُجْتَهِدِينَ فِي الْخَطَأِ وَالصَّوَابِ أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ جَعَلَ لِلْخَاطِئِ أَجْرًا.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ مُخْتَلِفًا.

فَأَمَّا جَعْلُهُ لِلْخَاطِئِ أَجْرًا، فَلَمْ يَجْعَلْهُ مُسْتَحِقًّا لِلْأَجْرِ عَلَى خَطَئِهِ وَإِنَّمَا جَعَلَهُ مُسْتَحِقًّا لَهُ عَلَى اجْتِهَادِهِ، فَإِنْ أَصَابَ ظَفِرَ مَعَ أَجْرِ الِاجْتِهَادِ بِأَجْرِ الصَّوَابِ فَصَارَ لَهُ أَجْرَانِ أَحَدُهُمَا بِاجْتِهَادِهِ وَالْآخَرُ بِصَوَابِهِ. وَإِنْ أَخْطَأَ ظَفِرَ بِأَجْرِ اجْتِهَادِهِ، وَحُرِمَ أَجْرَ صَوَابِهِ، كَمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْ بِهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً وَإِنْ عَمِلَ بِهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا ".

<<  <  ج: ص:  >  >>