للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ هَذِهِ الْبُنْيَانَ لَمْ تُبْنَ لِلِاسْتِيطَانِ وَإِنَّمَا بُنِيَتْ لِلِانْتِفَاعِ وَالِارْتِفَاقِ فَهِيَ كَ " أَرْضِ الْبَسَاتِينِ "، وَإِنَّمَا يَكُونُ مُقِيمًا إِذَا كَانَ فِي بُنْيَانٍ يَلْبَثُ فِيهِ لِلِاسْتِيطَانِ أَهْلُ الْبَلَدِ

فَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِقَرْيَةٍ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ انْفِصَالٌ وَلَوْ كَذِرَاعٍ جَازَ لَهُ الْقَصْرُ إِذَا فَارَقَ بُنْيَانَ قَرْيَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمَا انْفِصَالٌ وَاتَّصَلَ بُنْيَانُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ حَتَّى يُفَارِقَ مَنَازِلَ الْقَرْيَتَيْنِ لِأَنَّهُمَا بِالِاتِّصَالِ كَالْبَلَدِ الْجَامِعِ لِقَبِيلَتَيْنِ

فَأَمَّا أَهْلُ الْبَسَاتِينِ وَمَكَانِ الْقُصُورِ كَسَاكِنِي دِجْلَةِ والبصرة وَأَنْهَارِهَا الَّذِينَ لَا يَجْمَعُهُمْ بَلَدٌ وَلَا تَضُمُّهُمْ قَرْيَةٌ وَإِنَّمَا يَسْتَوْطِنُونَ قُصُورَ الْبَسَاتِينِ فَلَهُمُ الْقَصْرُ إِذَا فَارَقُوا الْمَوْضِعَ الْمَعْرُوفَ بَيْنَهُمْ

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا الْبَدَوِيُّ فَلَهُ حَالَانِ

أَحَدُهُمَا: فِي صَحْرَاءَ

وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ فِي وادٍ، فَإِنْ كَانَ فِي صحراء اعتبرت حَالُ الْخِيَمِ، فَإِنْ كَانَتْ حَيًّا وَاحِدًا وَبَطْنًا مُنْفَرِدًا لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ جَمِيعَ خِيَامِ الْحَيِّ سَوَاءٌ اجْتَمَعَتْ أَوْ تَفَرَّقَتْ، لِأَنَّ جَمِيعَ الْحَيِّ دَارٌ لِأَهْلِهِ، وَإِنْ كَانَتِ الْخِيَمُ أَحْيَاءً مُخْتَلِفَةً وَبُطُونًا مُتَفَرِّقَةً فَإِنْ تَمَيَّزَتْ خِيَمُهُمْ فَكَانَ لكل بطن منهم حي منفرداً وَخِيَامٌ مُتَمَيِّزَةٌ قَصَرَ إِذَا فَارَقَ خِيَامَ قَوْمِهِ وَبُيُوتَ حَيِّهِ، وَإِنِ اخْتَلَطَتِ الْبُطُونُ وَلَمْ تَتَمَيَّزِ الْخِيَامُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يُفَارِقَ الْخِيَامَ كُلَّهَا فَإِذَا فَارَقَهَا قَصَرَ حينئذٍ كَمَا قُلْنَا فِي الْقَرْيَتَيْنِ إِذَا اتَّصَلَتَا

فَإِنْ كَانَ فِي وَادٍ فإن أَرَادَ أَنْ يَسْلُكَ طُولَهُ قَصَرَ إِذَا فَارَقَ خيام قومه كالصحراء، وأن يَسْلُكَ عَرْضَهُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَقْطَعَ عَرْضَ الْوَادِي فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ حَمَلَ الجواب في ظاهره ومنعه من القصر حتى يقطع عرض الوَادِي، وَإِنْ فَارَقَ خِيَامَ قَوْمِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ يَدُلُّ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قال: لأن عرض الْوَادِي دَارٌ لَهُمْ أَوْ كَالدَّارِ لَهُمْ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ يَقْصُرُ إِذَا فَارَقَ خِيَامَ قومهم وَهُوَ قَوْلُ الْبَغْدَادِيِّينَ، وَحَمَلَ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى يقطع عرض الوادي: إذا كانت خيام قومي مُتَّصِلَةً بِعَرْضِهِ

(فَصْلٌ)

: إِذَا فَارَقَ الْمُسَافِرُ بُنْيَانَ بَلَدِهِ ثُمَّ عَادَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِحَاجَةٍ ذَكَرَهَا أَوْ أَمْرٍ عَرَضِيٍّ وَأَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ فِي مَنْزِلِهِ أَوْ بَلَدِهِ حَتَّى يُفَارِقَ آخِرَ بُنْيَانِهِ لِأَنَّهُ اسْتَقَرَّ بِرُجُوعِهِ فِي دَارِ إِقَامَتِهِ فَلَوْ سَافَرَ مِنَ الْبَصْرَةِ وَهِيَ وَطَنُهُ إِلَى الْكُوفَةِ يَنْوِي الْمُقَامَ بِهَا فَحِينَ قَرُبَ مِنَ الْكُوفَةِ بَدَا لَهُ مِنَ الْمُقَامِ شيئاً وَأَرَادَ الِاجْتِيَازَ فِيهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ جَازَ أَنْ يَقْصُرَ بِالْكُوفَةِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ لَهُ دَارُ إِقَامَةٍ، فَلَوْ رَجَعَ إِلَى الْبَصْرَةِ وَهِيَ وَطَنُهُ يُرِيدُ الِاجْتِيَازَ فِيهَا إِلَى بَلَدٍ آخَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ بِالْبَصْرَةِ وَإِنْ كَانَ غَيَّرَ الْمُقَامَ فِيهَا لِأَنَّهَا دَارُ إِقَامَتِهِ

فَأَمَّا إِذَا خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ بِنِيَّةِ الْحَجِّ ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي سَفَرِهِ مِنَ التَّوَجُّهِ فِي حَجِّهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>