أَحَدُهُمَا: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَامِدٍ، أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ إِذَا امْتَنَعَ لِمَا فِيهِ مِنِ اسْتِهْلَاكِ مَالِهِ مَعَ قُدْرَةِ رَبِّ الثَّوْبِ عَلَى الْوُصُولِ إِلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ بِالْبَيْعِ قَالَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَالٌ، قِيلَ لِلْغَاصِبِ إِنْ شِئْتَ فَاسْتَخْرِجِ الصَّبْغَ عَلَى أَنَّكَ ضَامِنٌ لِمَا نَقَصَ وَإِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ شَرِيكٌ بِمَا زَادَ الصَّبْغُ فَحَصَلَ الْخِيَارُ إِلَيْهِ فَدَلَّ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي حُكْمِ مَا لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ إِذَا بِيعَ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ، أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى أَخْذِهِ لِأَنَّهُ عِرْقٌ ظَالِمٌ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي الِاسْتِبْقَاءِ فَصَارَ كَالْغَرْسِ وَالْبِنَاءِ، وَيَكُونُ تخبر الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَهُ فِي التَّرْكِ وَالِاسْتِخْرَاجِ عِنْدَ رِضَا رَبِّ الثَّوْبِ بِالتَّرْكِ، فَعَلَى هَذَا إِنِ اسْتَخْرَجَهُ ضَمِنَ نَقْصَ الثَّوْبِ قَبْلَ الصَّبْغِ وَلَمْ يَضْمَنْ نَقْصَهُ بِالزِّيَادَةِ فِي حَال الصَّبْغِ لِأَنَّ رَبَّ الثَّوْبِ هُوَ الَّذِي أَتْلَفَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِإِجْبَارِ الْغَاصِبِ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتْرُكَهُ الْغَاصِبُ عَفْوًا عَنْهُ وَإِبْرَاءً مِنْهُ، فَيُنْظَرُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ أَحْدَثَ نَقْصًا فِي الثَّوْبِ أَوْ كَانَ لَهُ مَؤُنَةٌ فِي الِاسْتِخْرَاجِ أَوْ كَانَ قَدْ جَبَرَ نَقْصًا دَخَلَ عَلَى الثَّوْبِ أُجْبِرَ الْغَاصِبُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ، وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً مَحْضَةً فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا هِبَةُ عَيْنٍ لَا يَلْزَمُ رَبَّ الثَّوْبِ قَبُولُهَا وَيُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى اسْتِخْرَاجِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا زِيَادَةٌ مُتَّصِلَةٌ تَجْرِي مَجْرَى غَيْرِ الْمُتَمَيِّزَةِ كَالطُّولِ وَالسِّمَنِ فِي خُرُوجِهَا عَنِ الْهِبَةِ إِلَى الْمُسَامَحَةِ وَلَا يُجْبَرُ الْغَاصِبُ عَلَى الِاسْتِخْرَاجِ. فَهَذَا حُكْمُ الصَّبْغِ إِذَا أَمْكَنَ اسْتِخْرَاجُهُ.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الصَّبْغُ مِمَّا يمكن استخراج بعضه ولا يمكن استخراج بعضه فَالْقَوْلُ فِيمَا لَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ كَالْقَوْلِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَالْقَوْلُ فِيمَا يُمْكِنُ اسْتِخْرَاجُهُ كَالْقَوْلِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي، فَيُجْمَعُ فِي هَذَا الْقِسْمِ حُكْمُ الْقِسْمَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ عَلَى مَا بَيَّنَاهُ تَقْسِيمًا وَشَرْحًا فَهَذَا حُكْمُ الصَّبْغِ إِذَا كَانَ لِلْغَاصِبِ.
: وَأَمَّا إِذَا كَانَ الصَّبْغُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فَكَالرَّجُلِ غَصَبَ ثَوْبًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَصَبْغًا يُسَاوِي عَشَرَةً وَصَبَغَ بِهِ الثَّوْبَ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ اسْتِخْرَاجُ الصَّبْغِ، نُظِرَ قِيمَةَ الثَّوْبِ مَصْبُوغًا، فَإِنْ كَانَ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَخْذَهُ الْمَالِكُ وَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْغَاصِبِ، وَإِنْ نَقَصَ مَصْبُوغًا عَنِ الْعِشْرِينَ أَخَذَهُ مَالِكُهُ وَرَجَعَ بِمَا بَقِيَ بَعْدَ قِيمَتِهِ مِنَ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَكْمِلَ قِيمَةَ الثَّوْبِ وَالصَّبْغِ. فَإِنْ كَانَ اسْتِخْرَاجُ الصَّبْغِ مُمْكِنًا فَلَا حَقَّ لِلْغَاصِبِ فِي اسْتِخْرَاجِهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ عَيْنًا فِيهِ وَلِلْمَالِكِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَرْضَى بِتَرْكِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيَأْخُذُ مَعَهُ مَا نَقَصَ مِنَ الْقِيمَتَيْنِ إِنْ حَدَثَ فِيهَا نَقْصٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute