للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

زَكَاتَهَا وَاجِبَةٌ وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي اسْتِقْرَارِ مِلْكِهَا، وَتَعْجِيلِ إِخْرَاجِ زَكَاتِهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ مُفَصَّلًا، وَشَرَحْنَاهُ مُبَيَّنًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " ولو غَنِمُوا فَلَمْ يَقْسِمْهُ الْوَالِي حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَقَدْ أَسَاءَ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عذرٌ وَلَا زكاةٌ فِي فضةٍ مِنْهَا وَلَا ذهبٍ حتى يستقبل بها حولاً بعد القسم لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لأحدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّ للإمام أن يمنعهم قسمته إلا أن يمكنه ولأن فيها خمساً وإذ عزل سهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - منها لما ينوب المسلمين فلا زكاة فيه لأنه ليس لمالكٍ بعينه ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ أَرْضَ الْعَدُوِّ فَغَنِمُوا أَمْوَالَهُمْ لَمْ يَجُزْ لِلْإِمَامِ تَأْخِيرُ قَسْمِ مال الْغَنِيمَةِ بَيْنَهُمْ، إِلَّا لِعُذْرٍ مِنْ دَوَامِ حَرْبٍ أو رجعة عدو قد أَخَّرَ ابْنُ الْحَضْرَمِيِّ قِسْمَةَ غَنَائِمِهِ مَعْذُورًا لِإِشْكَالٍ عَلَيْهِ، حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَلَمْ يُنْكِرْ تَأْخِيرَ قِسْمَتِهَا عَلَيْهِ، وَأَخَّرَ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قِسْمَةَ غَنَائِمِ هَوَازِنَ لِعُذْرٍ، فَأَمَّا تَأْخِيرُ قِسْمَتِهَا مَعَ ارْتِفَاعِ الْأَعْذَارِ وَزَوَالِ الْمَوَانِعِ فَغَيْرُ جَائِزٍ لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِضْرَارِ بِالْغَانِمِينَ وَكَرِهَ أبو حنيفة تعجل قِسْمَةِ الْغَنِيمَةِ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي كِتَابِ " السِّيَرِ " إِنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ الْكَلَامُ بَعْدَ هَذَا فِي فَصْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: فِي كَيْفِيَّةِ مِلْكِ الْغَنِيمَةِ.

وَالثَّانِي: فِي زَكَاةِ مَالِ الْغَنِيمَةِ.

فَأَمَّا مِلْكُ الْغَنِيمَةِ، فَمَتَى كَانْتِ الحرب قائمة فالغنائم غير مملوكة، وإن أجازها الْمُسْلِمُونَ وَمَنْ غَنِمَ شَيْئًا لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَا مالك أَنْ يَتَمَلَّكَهُ، لِأَنَّ غَنِيمَةَ الْعَدُوِّ مِنْ تَوَابِعِ الظفر به وهو مع المعاونة وَالْحَرْبِ غَيْرُ مَظْفُورٍ بِهِ، وَلَا مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَإِذَا انْجَلَتِ الْحَرْبُ وَأُحِيزَتِ الْغَنَائِمُ، فَقَدْ مَلَكَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَتَمَلَّكُوا إِلَّا أَنَّهُمْ فِي الْحَالِ قَدْ مَلَكُوا كَالشَّفِيعِ مَلَكَ بِالشُّفْعَةِ، أَنْ يَتَمَلَّكَ والوصى له بالموصي ملك أن يتملك وللزوج مَلَكَ بِالطَّلَاقِ، قَبْلَ الدُّخُولِ أَنْ يَتَمَلَّكَ وَغَرِيمِ الْمُفْلِسِ مَلَكَ بِفَلَسِ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَلَّكَ وَإِنَّمَا مَلَكُوا أَنْ يَتَمَلَّكُوا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا قَدْ مَلَكُوا، لِأَنَّ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَوْ تَرَكَ حَقَّهُ، وَلَمْ يَخْتَرْ تَمَلُّكَهُ رَجَعَ سَهْمُهُ عَلَى الَّذِينَ مَعَهُ كَالشُّفْعَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَوْقُوفًا لَهُ كَالْوَرَثَةِ الَّذِينَ إِذَا تَرَكَ أَحَدُهُمْ حَقَّهُ لم يرجع على الذي معه، فكان مَوْقُوفًا لَهُ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغَانِمِينَ مَلَكُوا بِالْغَنِيمَةِ أَنْ يَتَمَلَّكُوا فَتَمَلُّكُهُمْ يَكُونُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ:

إما باختيار التملك، وذلك بأن ي قولوا قَدِ اخْتَرْنَا أَنْ نَمْلِكَ فَيَمْلِكُونَ كَمَا يَمْلِكُ الموصى له لقبوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>