فَصْلٌ
: فَإِذَا أَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُ بِالْحَجِّ مِنْ غَيْرِ مَكَّةَ، فَإِنْ عَادَ مُحْرِمًا إِلَى مَكَّةَ، ثُمَّ تَوَجَّهُ إِلَى عَرَفَةَ أَجْزَأَهُ، وَإِنَّ تَوَجَّهَ مِنْ فَوْرِهِ إِلَى عَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعُودَ إِلَى مَكَّةَ، فَلَهُ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ قَدْ أَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ.
وَالثَّانِي: مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ.
وَالثَّالِثُ: مِنْ حِلٍّ بَيْنَ الْحَرَمِ وَالْمِيقَاتِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْ مِيقَاتِ بَلَدِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ قَدْ عَادَ إِلَى حُكْمِ الْأَصْلِ لِأَنَّ إِحْرَامَهُ مِنْ مَكَّةَ رُخْصَةٌ، وَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحَرَمِ خَارِجَ مَكَّةَ كَانَ كَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ مَكَّةَ، لِأَنَّ حُكْمَ جَمِيعِ الْحَرَمِ وَاحِدٌ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِقَاعُهُ وَإِنْ أَحْرَمَ مِنَ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْمِيقَاتِ، وَالْحَرَمِ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ لِأَنَّ لَهُ أَحَدُ مِيقَاتَيْنِ فَمِيقَاتُ بَلَدِهِ لِلْأَصْلِ وَمَكَّةُ رُخْصَةٌ فَإِذَا عَدَلَ عَنْهَا صَارَ مُحْرِمًا مِنْ غَيْرِ مِيقَاتٍ، فَلَزِمَهُ الدَّمُ هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ خَرَجَ قَوْلٌ آخَرُ إِنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حُكْمَ الْكُلِّ وَاحِدٌ.
: فَأَمَّا الْمُفْرِدُ إِذَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ مِنَ الْحَرَمِ، فَقَدِ انْعَقَدَ إِحْرَامُهُ وَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ ثُمَّ الرُّجُوعُ إِلَى الطَّوَافِ، وَالسَّعْيِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَقَدْ زَادَ خَيْرًا بِتَعْجِيلِ الْإِحْرَامِ مِنَ الْحَرَمِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْحِلِّ حَتَّى طَافَ، وَسَعَى وَحَلَقَ، فَعَلَى قَوْلَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِمَا الشَّافِعِيُّ فِي الْأُمِّ.
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ وَقَدْ تَحَلَّلَ مِنْ عُمْرَتِهِ، وَعَلَيْهِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ، وَإِنَّمَا أَجْزَأَهُ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إِلَى الْحِلِّ لِأَنَّ الْحِلِّ مِيقَاتٌ، وَتَرْكُ الْمِيقَاتِ لَا يُوجِبُ بُطَلَانَ الْأَعْمَالِ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الدَّمَ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَكُونُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ شَرْطًا فِي صِحَّةِ الْأَفْعَالِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ طَوَافُهُ وَسَعْيُهُ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِحِلَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَطِئَ فَسَدَتْ عُمْرَتُهُ، وَلَزِمَهُ الْمُضِيُّ فِي فَسَادِهَا وَالْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إِنْ كَانَ عَالِمًا بِبَقَاءِ إِحْرَامِهِ، فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا بِهِ فَفِي فَسَادِ عُمْرَتِهِ بِوَطْئِهِ، قَوْلَانِ كَالنَّاسِي، وَعَلَيْهِ الْخُرُوجُ إِلَى الْحِلِّ وَالرُّجُوعُ إِلَى الطَّوَافِ، وَالسَّعْيُ وَالْحَلْقُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا بُدَّ لَهَا مَنْ حِلٍّ، فَإِذَا طَافَ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْحِلَّ صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ طَافَ فِي الْحَجِّ، قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فلا يجزيه عن طواف الفرض.
[مسألة]
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وأحب إلي أن تعتمر مِنَ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اعْتَمَرَ مِنْهَا فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنَ التَّنْعِيمِ لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَعَمَرَ عَائِشَةَ مِنْهَا وَهِيَ أَقْرَبُ الْحِلِّ إِلَى الْبَيْتِ فَإِنْ أَخْطَأَهُ ذَلِكَ فَمِنَ الْحُدَيْبِيَةِ لِأَنَّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى بِهَا وَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ بعمرةٍ مِنْهَا ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute