عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه نهى عن بيع التجْر وَهُوَ بَيْعُ الْحَمْلِ عَلَى أَنَّهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَإِذَا بَطَلَ بَيْعُ الْحَمْلِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مُنْفَرِدًا بَطَلَ بَيْعُ الْأُمِّ دُونَ حَمْلِهَا لِأَنَّ مَا لَا يَصِحُّ أَنْ يُفْرَدَ بِالْعَقْدِ لَا يَصِحُّ أَنْ يُسْتَثْنَى مِنَ الْعَقْدِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً حَامِلًا بِحُرٍّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا لِأَنَّ بَيْعَ حَمْلِهَا لَا يَصِحُّ فَصَارَ مُسْتَثْنَى مِنَ الْعَقْدِ وَاسْتِثْنَاءُ الْحَمْلِ مِنَ الْعَقْدِ لَا يَصِحُّ. وَلَوِ ابْتَاعَ أَمَةً أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ كَانَ فِي صِحَّةِ الْبَيْعِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَصِحُّ لِأَنَّ لِلْحَمْلِ أَمَارَاتٍ دَالَّةً عَلَيْهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْبَيْعَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ شَرْطُ مَا لَا يَتَيَقَّنُهُ.
فَصْلٌ:
وَأَمَّا بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ فَبَاطِلٌ. وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَ الْآبِقِ مَا لَمْ يَتَقَادَمْ عَهْدُهُ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ جَوَّزَ بَيْعَهُ إِذَا عُرِفَ مَكَانُهُ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ بَيْعِهِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَبَيْعُ الْآبِقِ مِنْ أَعْظَمِ الْغَرَرِ. وَرُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نَهَى عَنْ بَيْعِ الْآبِقِ وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ مَا تَعَذَّرَ تَسْلِيمُهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَالْآبِقُ مُتَعَذَّرُ التَّسْلِيمِ. فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ بَيْعَ الْعَبْدِ الْآبِقِ لَا يَجُوزُ فَكَذَلِكَ الْجَمَلُ الشَّارِدُ وَكُلُّ شَيْءٍ ضَالٍّ أَوْ ضَائِعٍ، فَلَوْ بَاعَ آبِقًا ثُمَّ وَجَدَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ تَسْلِيمَهُ إِلَى الْمُشْتَرِي لِفَسَادِ بَيْعِهِ حَتَّى يَسْتَأْنِفَا بَيْعَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْعُ الْآبِقِ فَاسِدٌ فَإِنْ وَجَدَهُ بَعْدَ بَيْعِهِ صَحَّ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فِيهِ وَلَزِمَهُ تَسْلِيمُهُ.
لِأَنَّ عِنْدَهُ أَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ يَنْقَسِمُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ يَنْعَقِدُ صَحِيحًا، وَقِسْمٌ يَنْعَقِدُ بَاطِلًا لَا يَصِحُّ مِنْ بَعْد، وَقِسْمٌ يَقَعُ فَاسِدًا قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَقَّبَهُ الصِّحَّةُ مِنْ بَعْد كَبَيْعِ الْعَبْدِ الْآبِقِ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ فَإِنْ وُجِدَ صَحَّ، وَكَالْبَيْعِ إذا اشترط فِيهِ خِيَارٌ أَكْثَرُ مِنَ الثَّلَاثِ فَاسِدٌ إِلَّا أَنْ يَبْطُلَ مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ قَبْلَ تَقَضِّي الثَّلَاث فَيَصِحُّ. وَهَذَا مَذْهَبٌ يُغْنِي ظُهُورُ فاسده عَنْ تَكَلُّفِ الدَّلَالَةِ عَلَيْهِ، لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ لَوْ جَازَ أَنْ يَصِحَّ لِحَادِثٍ مِنْ بَعْد لَجَازَ أَنْ يَكُونَ كُلَّ عَقْدٍ وَلَجَازَ أَنْ تَكُونَ شُرُوطَ صِحَّتِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ بَعْد وَفِي هَذَا مُخَالَفَةُ الْأُصُولِ فِيمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْعُقُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا بَيْعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَمْ يَجُزْ لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ مِلْكِهِ.
وَالثَّانِي: تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ لِمَعْنَى وَاحِدٍ وَهُوَ تَعَذُّرُ تَسْلِيمِهِ، فَلَوْ كَانَ الطَّيْرُ حَمَامًا قَدْ يَرْجِعُ بَعْدَ الطَّيَرَانِ إِلَى بُرْجِهِ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ أَيْضًا، لِأَنَّهُ قد لا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute