للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَذَكَرْنَا أَنَّ مَا تَقَدَّرَتْ فِيهِ الدِّيَةُ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَسْنَانِ كَانَ فِي أَبْعَاضِهَا إِذَا عُرِفَ مِقْدَارُهُ مِنْهَا قَسَّطَهُ مِنْ دِيَتِهَا، لِأَنَّ مَا قَابَلَ جُمْلَةً تَقَسَّطَ عَلَى أَجْزَائِهَا كَالْأَثْمَانِ، فَيَكُونُ فِي نِصْفِ السِّنِّ نِصْفُ دِيَةِ السِّنِّ، وَفِي نِصْفِ الْأُذُنِ نِصْفُ دِيَةِ الْأُذُنِ، وَكَذَلِكَ فِيمَا زَادَ وَنَقَصَ، فَإِنْ جُهِلَ قَدْرُ الذَّاهِبِ مِنَ الْبَاقِي تُقَدَّرْ تَقْسِيطُ الدِّيَةِ عَلَيْهِ فَوَجَبَتْ فِيهِ حُكُومَةٌ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَفِي الضِّلَعِ جَمَلٌ وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُشْبِهُ مَا حُكِيَ عَنْ عمر فيما وصفت حكومة لا توقيت (قال المزني رحمه الله هذا أشبه بقوله كما يؤول قول زيد في العين القائمة مائة دينار أن ذلك على معنى الحكومة لا توقيت وقد قطع الشافعي رحمه الله بهذا المعنى فقال في كل عظم كسر سوى السن حكومة فإذا جبر مستقيماً ففيه حكومة بقدر الألم والشين وإن جبر معيباً بعجز أو عرج أو غير ذلك زيد في حكومته بقدر شينه وضره وألمه لا يبلغ به دية العظم لو قطع ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: نَقَلَ الْمُزَنِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: فِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ إِذَا كُسِرَتْ، وَفِي الضِّلَعِ جَمَلٌ إِذَا كُسِرَ، وَهَذَا قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ، وَنُقِلَ عَنْهُ فِي الْجَدِيدِ أَنَّ فِيهِمَا حُكُومَةً، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فَكَانَ الْمُزَنِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ يُخَرِّجُونَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّ الْجَمَلَ مِنْهُمَا تَقْدِيرٌ يَقْطَعُ الِاجْتِهَادَ فِيهِ وَيَمْنَعُ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَكَمَ فِيهِمَا بِالْجَمَلِ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ إِذَا انْتَشَرَ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ مُخَالِفٌ وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَنْتَشِرْ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا قَوْلٌ قَدِ انْتَشَرَ فَكَانَ الْعَمَلُ بِهِ وَاجِبًا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنْ فِيهِ حُكُومَةً، لِأَنَّ مَقَادِيرَ الدِّيَاتِ تُؤْخَذُ عَنْ نَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ، وَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عن الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَلَا أَصْلٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْجَمَلِ فِيهِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَمَذْهَبُهُ فِيهِ وُجُوبُ الْحُكُومَةِ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِيهِمَا الْجَمَلَ تَبَرُّكًا بِقَوْلِ عُمَرَ، وَأَثْبَتَهُ عَلَى قَدْرِ الْحُكُومَةِ أَنَّهَا لَا تَبْلُغُ دِيَةَ السِّنِّ، وَأَنَّ مَا نَفَذَ مِنَ الِاجْتِهَادِ فِيهِ بِهَذَا الْقَدْرِ كَانَ مَا تَعَقَّبَهُ عَنِ الِاجْتِهَادِ مقارناً له، فإن زاد عليه فيصير وإن نقص عنه فيصير، وَلَا يَصِيرُ حَدًّا لَا يُتَجَاوَزُ.

فَأَمَّا الْعَيْنُ القائمة فلا تتقدر رقبتها فصارت يد بمائة دِينَارٍ قَوْلًا وَاحِدًا، لِأَنَّ أَبَا

<<  <  ج: ص:  >  >>