السَّيِّدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحُدُودِ مُنِعَ مِنْ إِقَامَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ وُجُوبَهَا حَتَّى يَرْجِعَ فِيهَا إِلَى مَنْ يَجُوزُ لَهُ الْعَمَلُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ رَجَعَ إِلَى حَاكِمٍ جَازَ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى قَوْلِهِ فِيمَا حَكَمَ بِهِ مِنْ وُجُوبٍ إسقاطه، وَيَقُومَ بِاسْتِيفَاءِ مَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِوُجُوبِهِ، وَلَيْسَ للإمام نقضه وإن رجع فيه إلى استيفاء وفيه نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ الْحَدُّ مُتَّفَقًا عَلَى وُجُوبِهِ كان لِلسَّيِّدِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ بِقَوْلِ مَنْ أَفْتَاهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَفِي جَوَازِ اسْتِيفَاءِ السَّيِّدِ له بِفُتْيَاهُ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ لَا يَتَعَيَّنُ إِلَّا بِحُكْمِ حَاكِمٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَجُوزُ، لِأَنَّ تَصَرُّفَ السَّيِّدِ فِي عَبْدِهِ أَقْوَى مِنْ تَصَرُّفِ الْحَاكِمِ إِلَّا أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِسُقُوطِهِ فَيُمْنَعُ.
(فَصْلٌ)
وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ مَا يَمْلِكُهُ السَّيِّدُ مِنْ إِقَامَةِ الْحُدُودِ فهو ما كان جلداً إما في زِنًا، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ شُرْبِ خَمْرٍ، لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تَأْدِيبَهُ بِالْجَلْدِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَهَلْ يَمْلِكُ مِنْ حَدِّهِ مَا تَعَلَّقَ بِإِرَاقَةِ الدِّمَاءِ مِنْ قَطْعِهِ فِي السَّرِقَةِ وَقَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ أَمْ لا؟ على وجهين:
أحدهما: لا يملك؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مِثْلَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَلَا يَقْطَعُهُ إِذَا سَرَقَ وَلَا يَقْتُلَهُ إِذَا ارْتَدَّ، وَيَكُونُ الْإِمَامُ أَحَقَّ بِقَطْعِهِ وَقَتْلِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَمْلِكُ مِنْ حُدُودِ الدِّمَاءِ مِثْلَ ما يملكه مِنْ حُدُودِ الْجَلْدِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ قَدْ يملك مثله منه في حق نفسه كالجناية وقطع السلعة.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْعِلَّةَ فِي إِقَامَةِ الْحُدُودِ عَلَيْهِ مِلْكُ الرَّقَبَةِ دُونَ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ التَّأْدِيبِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ يَسْتَحِقُّ تَأْدِيبَ زَوْجَتِهِ فِي النُّشُوزِ، وَالْأَبَ يَسْتَحِقُّ تَأْدِيبَ وَلَدِهِ فِي الِاسْتِصْلَاحِ، وَلَا يستحق واحد منهما إقامة الحدود.
وروى نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَطَعَ عَبْدًا لَهُ سَرَقَ.
وَرُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ قَطَعَتْ أَمَةً لَهَا سَرَقَتْ، وَقَتَلَتْ حَفْصَةُ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا.
فَأَمَّا التَّغْرِيبُ إِذَا قِيلَ بِوُجُوبِهِ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ إِذَا زَنَيَا فَفِي اسْتِحْقَاقِ السَّيِّدِ لَهُ وَتَفَرُّدِهِ بِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: لِأَنَّهُ أَحَدُّ الْحَدَّيْنِ كَالْجَلْدِ.
وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ يَمْلِكُ تغريبه في غير الزنا فكان بتغريب الزِّنَا أَحَقُّ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ لأمرين: