وَإِمَّا بِأَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمْ، فَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ سَهْمَهُ فَيَعْلَمَ أَنَّهُ قَدِ اخْتَارَهُ، وَمَلَكَهُ كَمَا يَمْلِكُ أَهْلُ السُّهْمَانِ مَا قُسِّمَ عَلَيْهِمْ مِنَ الزَّكَاةِ.
فَصْلٌ
: فَأَمَّا زَكَاةُ مَالِ الْغَنِيمَةِ إِذَا حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَلَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ الغانمون قد تملكوها، فَإِنْ لَمْ يَتَمَلَّكُوهَا حَتَّى حَالَ الْحَوْلُ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَتْ جِنْسًا أَوْ أَجْنَاسًا عُزِلَ مِنْهَا الْخُمُسُ، أَمْ لَمْ يُعْزَلْ لِأَنَّهَا لَمْ تَصِرْ مِلْكًا لِلْغَانِمِينَ، وَلَا لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَإِنْ تَمَلَّكَهَا الْغَانِمُونَ فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ جَمِيعُ أَجْنَاسِهَا مِمَّا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، أَوْ كَانَ بَعْضُهُ مِمَّا لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدُ الْأَجْنَاسِ بِعَيْنِهِ مِلْكًا لِرَجُلٍ مِنَ الْغَانِمِينَ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُقَسِّمَهَا بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ تَحَكُّمٍ مَوْقُوفَةً عَلَى نَظَرِهِ فَيُعْطِي بَعْضَهُمْ وَرِقًا، وَبَعْضَهُمْ ذَهَبًا وَبَعْضَهُمْ إِبِلًا وَبَعْضَهُمْ عَرَضًا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ الْغَنِيمَةُ جنساً واحداً، فإن كان ما لَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْخَيْلِ وَالسَّبْيِ وَالْعُرُوضِ، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً أَوْ مَاشِيَةً سَائِمَةً، فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ خُمُسُهَا مَعْزُولًا لِأَهْلِ الْخُمُسِ فَزَكَاتُهَا وَاجِبَةٌ، لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِجَمَاعَةٍ تَجِبُ عَلَيْهِمِ الزَّكَاةُ، فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالْأَمْوَالِ الْمُشَاعَةِ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ الْخُمُسُ بَاقِيًا فِيهَا فَفِي وُجُوبِ زَكَاتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَصْرِيِّينَ: لَا زَكَاةَ فِيهَا وَهُوَ بِنَصِّ الشَّافِعِيِّ أَشْبَهُ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْلِيلِ إِسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَنِ الْغَنِيمَةِ " لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهِ بِعَيْنِهِ، وَإِنَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَمْنَعَهُمْ قَسْمَهُ إِلَى أَنْ يُمْكِنَهُ، وَلِأَنَّ فِيهَا خُمُسًا ".
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الْبَغْدَادِيِّينَ: الزَّكَاةُ فِيهَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ عِنْدِي فِي الْحُكْمِ أَصَحُّ، لِأَنَّ مُشَارَكَةَ أَهْلِ الْخُمُسِ لَهُمْ، لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَيْهِمْ، كَمَا أَنَّ مُشَارَكَةَ الْمُكَاتَبِ وَالذِّمِّيِّ، لَا تَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا جُمْلَةً، فَلَا يَخْلُو حَالُ الْغَانِمِينَ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُقَسِّمُوا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنِ اقْتَسَمُوا قَبْلَ الْحَوْلِ، فَلَا زَكَاةَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَكُونَ سَهْمُهُ نِصَابًا وَيَتِمَّ حَوْلُهُ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَإِنْ حَالَ الْحَوْلُ قَبْلَ قِسْمَتِهِمْ فَإِنْ كَانَتِ الْغَنِيمَةُ لَا تَبْلُغُ نِصَابًا، وَكَانَتْ مَعَ الْخُمُسِ نِصَابًا، فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتِ الْغَنِيمَةُ سِوَى الْخُمُسِ نِصَابًا، فَصَاعِدًا نُظِرَتْ فَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً وَجَبَ فِيهَا الزَّكَاةُ سَوَاءٌ بَلَغَ سَهْمُ كُلِّ واحد