بِالْقُدُومِ أَوِ الِاسْتِقْدَامِ فَلَوِ اسْتَقْدَمَهَا فَامْتَنَعَتْ إِلَّا أَنْ يَقْدَمَ عَلَيْهَا صَارَتْ نَاشِزًا وَسَقَطَ حَقُّهَا من المطالبة والله أعلم.
[(مسألة:)]
قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ لَمْ يُوقَفْ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ فَإِنْ عَقِلَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ وقف مكانه فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ وَإِمَّا أَنْ يُطَلِّقَ (قَالَ المزني رحمه الله) هذا يؤكد أن يحسب عليه مدة حبسه ومنع تأخره يوماً) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ إِذَا غُلِبَ عَلَى عَقْلِ الْمُولِي بِجُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ كَانَ زَمَانُ جُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ فِي وَقْفِهِ وَمُدَّةِ تَرَبُّصِهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِهِ كَالْمَرَضِ، فَإِذَا انْقَضَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ وَهُوَ عَلَى جُنُونِهِ وَإِغْمَائِهِ لَمْ يَتَوَجَّهْ عَلَيْهِ مُطَالَبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُوقَفْ، يَعْنِي الْوَقْفَ الثَّانِيَ الَّذِي هُوَ زَمَانُ الْمُطَالَبَةِ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْوَقْفَ الْأَوَّلَ الَّذِي هُوَ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ، فإذا أفاق من جنونه أو إغمائه استحق حِينَئِذٍ مُطَالَبَتُهُ بِالْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ.
(فَصْلٌ:)
قَالَ الْمُزَنِيُّ هَذَا يُؤَكِّدُ أَنْ يُحْتَسَبَ مُدَّةُ حَبْسِهِ وَمُنِعَ تَأْخِيرُهُ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً. أَرَادَ الْمُزَنِيُّ بِذَلِكَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ: أَنْ يَجْعَلَ الِاحْتِسَابَ بِزَمَانِ الْجُنُونِ دَلِيلًا عَلَى الِاحْتِسَابِ بِزَمَانِ الْحَبْسِ، وَهَذَا صَحِيحٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَجْعَلَ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ منع تأخيره يَوْمًا أَوْ ثَلَاثَةً دَلِيلًا عَلَى إِبْطَالِ إِنْظَارِهِ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَلَا دَلِيلَ فِيهِ وَعَمَّا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ الله عنه - من منع تأخيره يوما أو ثَلَاثَةً جَوَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ: وَهُوَ عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي غَيْرُ مَمْنُوعٍ.
وَالْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الْإِنْظَارِ فِي ابْتِدَاءِ الْمُطَالَبَةِ، وَالْقَوْلَانِ فِي الْإِنْظَارِ فِي الْإِجَابَةِ إِلَى الْفَيْئَةِ، لِأَنَّهُ لَوْ أَجَابَ إِلَى الطَّلَاقِ وَسَأَلَ الْإِنْظَارَ بِهِ لَمْ يُنْظَرْ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي الْإِنْظَارِ بِالْفَيْئَةِ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (وَلَوْ أَحْرَمَ قِيلَ لَهُ إِنْ وَطِئْتَ فَسَدَ إِحْرَامُكَ وَإِنْ لَمْ تَفِئْ طُلِّقَ عَلَيْكَ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُولِيَ إِذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ كَانَ زَمَانُ إِحْرَامِهِ مَحْسُوبًا عَلَيْهِ، فَإِنْ أَحَلَّ قَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا عَلَى إِحْرَامِهِ إِلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ التَّرَبُّصِ، قِيلَ لَهُ إِحْرَامُكَ قَدْ حَظَرَ عَلَيْكَ الْوَطْءَ وَالْإِيلَاءُ يُوجِبُهُ، وَلَا يَمْنَعُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْكَ مِنْ مُطَالَبَتِكَ فِي حَقِّ الزَّوْجَةِ بِالْوَطْءِ أَوِ الطلاق