للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الِاسْتِئْجَارِ عَلَى الْحَجِّ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ فِيهِ لَازِمٌ كَسَائِرِ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ مُعَيَّنٍ، وَفِي الذِّمَّةِ.

فَأَمَّا الْمُعَيَّنُ فَقَوْلُهُ قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ لِلْحَجِّ عَنِّي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ عَلَيْهِ فِي عَيْنِهِ فَإِذَا حَجَّ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ وَإِنْ مات بطلب الْإِجَارَةُ كَمَنِ اسْتَأْجَرَ بَعِيرًا بِعَيْنِهِ لِيَرْكَبَهُ فِي سفره لم يجز لمؤجره أن يبدله بغير وَيَبْطُلُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ بِمَوْتِهِ.

وَأَمَّا الَّذِي فِي الذِّمَّةِ فَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحْصِيلِ حَجَّةٍ لِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ أَوْ يَقُولَ قَدِ اسْتَأْجَرْتُ مِنْكَ تَحْصِيلَ حَجَّةٍ لِي بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَيَكُونَ عَقْدُ الْإِجَارَةِ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا حَجَّ غَيْرُهُ جَازَ وَإِنْ مَاتَ لَمْ تَبْطُلِ الْإِجَارَةُ كَمَنِ اسْتَأْجَرَ ظَهْرَ بَعِيرٍ فِي الذِّمَّةِ فَلِمُؤَجِّرِهِ أَنْ يُرْكِبَهُ أَيَّ بَعِيرٍ شَاءَ وَإِنْ مَاتَ الْبَعِيرُ فَعَلَيْهِ أَنْ يُبْدِلَهُ بِغَيْرِهِ وَلَا تَبْطُلُ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِهِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَقْدَ الْإِجَارَةِ عَلَى الْحَجِّ يَصِحُّ عَلَى هَذَيْنِ الضَّرْبَيْنِ كَغَيْرِهِ مِنْ عُقُودِ الْإِجَارَاتِ انْتَقَلَ الْكَلَامُ إِلَى بَيَانِ حُكْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مُعَيَّنًا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ:

أَحَدُهَا: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُعَجَّلًا.

وَالثَّانِي: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُؤَجَّلًا.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يَعْقِدَاهُ مُطْلَقًا فَإِنْ عَقَدَاهُ مُعَجَّلًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي فِي هَذِهِ السَنَةِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَسِيرُ النَّاسِ مُمْكِنًا وَوَقْتُ مَسِيرِهِمْ مُتَأَتِّيًا وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِ الْبِلَادِ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، فَإِذَا كَانَ وَقْتُ مَسِيرِ النَّاسِ صَحَّ الْعَقْدُ سَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، لِأَنَّ مَنْ بِأَقْصَى بِلَادِ خُرَاسَانَ وَبِلَادِ التُّرْكِ لَا يُدْرِكُ الْحَجَّ إِذَا ابْتَدَأَ بِالسَّيْرِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ حَتَّى يُقَدِّمَ السَّيْرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَإِذَا صَحَّ الْعَقْدُ وَأَخَّرَ الْمَسِيرَ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا جَازَ. وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مَسِيرُ النَّاسِ غَيْرَ مُمْكِنٍ وَوَقْتُ خُرُوجِهِمْ غَيْرَ متأتٍ وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ لِأَحَدِ وَجْهَيْنِ إِمَّا لِقُرْبِ الزَّمَانِ وَضِيقِهِ عن إدراك الحج فيه كالعراقي الذي اسْتُؤْجِرَ فِي عَشْرِ النَّحْرِ إِمَّا لِسَعَةِ الزَّمَانِ وَبُعْدِهِ عَنْ خُرُوجِ النَّاسِ فِيهِ كَالْعِرَاقِيِّ إِذَا اسْتُؤْجِرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ مَا اقْتَضَاهُ الْعَقْدُ مِنْ تَعْجِيلِ الْحَجِّ مُمْتَنِعٌ وَإِنْ عَقَدَاهُ مُؤَجَّلًا، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَعَقْدُ الْإِجَارَةِ بَاطِلٌ، لِأَنَّ الْعُقُودَ عَلَى الْأَعْيَانِ بِشَرْطِ تَأْخِيرِ التَّسْلِيمِ بَاطِلٌ وَإِنْ عَقَدَاهُ مُطْلَقًا وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: قَدِ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَحُجَّ عَنِّي وَلَا يُقَيِّدَاهُ بِزَمَانٍ فَإِطْلَاقُهُ يَقْتَضِي التَّعْجِيلَ، لِأَنَّ الْأَجَلَ لَا يَلْزَمُ إِلَّا بِشَرْطٍ فَيَكُونَ كَمَا لَوْ شَرَطَا التَّعْجِيلَ فِي اعْتِبَارِ الْوَقْتِ عَلَى ما مضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>