للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَطِيطَةَ إِذَا كَانَتْ بِإِقْرَارِ الْبَائِعِ دَلَّتْ عَلَى أَمَانَتِهِ فَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْعَقْدِ خِيَارٌ لِسَلَامَتِهِ وَإِذَا كَانَتِ الْحَطِيطَةُ بِالْبَيِّنَةِ دَلَّتْ عَلَى خِيَانَتِهِ وَلَمْ يُؤْمَنْ حُدُوثُ خِيَانَةٍ ثَانِيَةٍ مِنْ جِهَتِهِ فَثَبَتَ فِي الْعَقْدِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي.

فَإِذَا قِيلَ إِنْ لِلْمُشْتَرِي الْخِيَارَ فَاخْتَارَ الْفَسْخَ عَادَ الثَّوْبُ إِلَى الْبَائِعِ وَإِنِ اخْتَارَ الْمَقَامَ أَوْ قِيلَ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي خِيَارٌ فَهَلْ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَالَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ لَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُشَّ وَلَا دَلَّسَ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي اخْتِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى لَهُ الْخِيَارُ لِأَنَّهُ لَمْ يَطِبْ نَفْسًا بِإِخْرَاجِ الثَّوْبِ مِنْ يَدِهِ إِلَّا بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَهُ حَقًّا كَانَ أَوْ بَاطِلًا.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِنْ كَانَ الثَّوْبُ تَالِفًا وَقَدْ قَامَتِ الْبَيِّنَةُ بِخِيَانَةِ الْبَائِعِ فَالْوَاجِبُ أَنْ تُحَطَّ الْخِيَانَةُ وَحِصَّتُهَا مِنَ الرِّبْحِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّهُ مَعَ التَّلَفِ كَالْعَيْبِ الْمَرْجُوعِ فِيهِ بِالْأَرْشِ ثُمَّ لَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا لِأَنَّ خِيَارَهُ ثَبَتَ مَعَ إِمْكَانِ الرَّدِّ فَأَمَّا الْبَائِعُ فَإِنْ قِيلَ لَا خِيَارَ لَهُ مَعَ بَقَاءِ السِّلْعَةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ مَعَ تَلَفِهَا لِأَنَّ تَلَفَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي إِذَا مَنَعَهُ مِنَ الْفَسْخِ لَمْ يَمْنَعِ الْبَائِعَ مِنَ الْفَسْخِ أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ عَبْدًا بِأَمَتِهِ وَتَقَابَضَا ثُمَّ مَاتَ الْعَبْدُ وَوَجَدَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَيْبًا فِيمَا ابْتَاعَهُ لَمْ يَكُنْ لِمُشْتَرِي الْعَبْدِ خِيَارٌ لِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ وَلَهُ الرُّجُوعُ بِأَرْشِهِ وَوَجَبَ لِمُشْتَرِي الْأَمَةِ الْخِيَارُ وَإِنْ تَلَفَ مَا يُقَابِلُهَا لِبَقَائِهَا فِي يَدِهِ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ فَإِنِ اخْتَارَ الْمُقَامَ وَالْإِمْضَاءَ كَانَ لَهُ الثَّمَنُ بَعْدَ حَطِيطَةِ الْخِيَانَةِ وَحِصَّتِهَا مِنَ الرِّبْحِ وَإِنِ اخْتَارَ الْفَسْخَ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَةِ الثَّوْبِ بِالْعَيْبِ وَرَدَّ مَا قَبَضَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ تَأَوَّلَ كَلَامَ الشَّافِعِيِّ فِيمَا قَصَدَ بِهِ مَالِكًا فِي إِبْطَالِهِ الْبَيْعَ بِظُهُورِ الْخِيَانَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمَا مَعًا وَإِنَّمَا وَقَعَ مُحَرَّمًا عَلَى الْخَائِنِ مِنْهُمَا فَحَمَلَهُ عَلَى أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَرَادَ بِهِ تَحْرِيمَ الثَّمَنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَقَالَ الْمُزَنِيُّ لَوْ كَانَ الثَّمَنُ حَرَامًا وَقْتَ الْعَقْدِ لَكَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَإِنَّمَا يَحْرُمُ السَّبَبُ وَهُوَ الْخِيَانَةُ دُونَ الثَّمَنِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَمْ يُرِدْ تَحْرِيمَ الثَّمَنِ فِي عَيْنِهِ كَمَا تَوَهَّمَ الْمُزَنِيُّ وَإِنَّمَا أَرَادَ تَحْرِيمَ السَّبَبِ وَهُوَ التَّدْلِيسُ وَالْخِيَانَةُ فَكَانَ التَّحْرِيمُ رَاجِعًا إِلَى فِعْلِ الْعَاقِدِ دُونَ الْعَقْدِ وَالتَّحْرِيمُ إِذَا رَجَعَ إِلَى الْعَاقِدِ دُونَ الْعَقْدِ لَمْ يَبْطُلِ الْعَقْدُ كَتَحْرِيمِ النَّجْشِ وَتَلَقِّي الرُّكْبَانُ وَلَوْ رَجَعَ التَّحْرِيمُ إِلَى الْعَقْدِ دُونَ الْعَاقِدِ كَانَ مُبْطِلًا لِلْعَقْدِ كَتَحْرِيمِ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ وَبَيْعِ الْحَمْلِ فَعَبَّرَ الشَّافِعِيُّ عَنْ تَحْرِيمِ الْفِعْلِ بِتَحْرِيمِ الثَّمَنِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مَأْخُوذًا عَنْ سَبَبٍ مُحَرَّمٍ جَازَ أن يعبر عنه بأنه محرم اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>