للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَتَسَاوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَتَحَالَفَا، وَلِأَنَّهُمَا لَوْ تَدَاعَيَا دَارًا هِيَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَتَسَاوَيَا فِيهَا وَلَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ بِشَيْءٍ تَحَالَفَا، كَذَلِكَ اخْتِلَافُ الزَّوْجَيْنِ عِنْدَ تَسَاوِيهِمَا يُوجِبُ تَحَالُفَهُمَا.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثبت تحالف الزوجين فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، لِأَنَّ الْأَيْمَانَ فِي الْحُقُوقِ لَا يَسْتَوْفِيهَا إِلَّا الْحَاكِمُ، فَإِذَا حَضَرَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ هَاهُنَا: بَدَأَ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ.

وَقَالَ فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ: إِنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ، وَهُوَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الزَّوْجَةِ فِي النِّكَاحِ، وَالزَّوْجُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ.

وَقَالَ فِي كِتَابِ " الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ " فِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّهِمَا شَاءَ.

فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ وَالْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقَاوِيلَ:

أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ، وَالزَّوْجَةِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّهُ فِي الْبُيُوعِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَبْدَأُ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ نَصُّهُ فِي الصَّدَاقِ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْحَاكِمَ بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ شَاءَ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُهُ فِي الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّ الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَى قَوْلٍ وَاحِدٍ، وَأَنَّ الْحَاكِمَ فِيهِمَا بِالْخِيَارِ فِي الْبِدَايَةِ بِإِحْلَافِ أَيِّ الزَّوْجَيْنِ شَاءَ، وَأَيِّ الْمُتَبَايِعَيْنِ شَاءَ.

وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ: وَهِيَ طَرِيقَةُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّ حُكْمَ الْمَسْأَلَتَيْنِ مُخْتَلِفٌ وَأَنَّهُ يَبْدَأُ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ بِإِحْلَافِ الزَّوْجِ قَبْلَ الزَّوْجَةِ وَفِي اخْتِلَافِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِإِحْلَافِ الْبَائِعِ قَبْلَ الْمُشْتَرِي.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ جَنْبَةَ الْبَائِعِ أَقْوَى، لِعَوْدِ السِّلْعَةِ إِلَيْهِ بَعْدَ التَّحَالُفِ، فَبَدَأَ بِإِحْلَافِهِ، وَجَنْبَةَ الزَّوْجِ أَقْوَى، لِأَنَّهُ قَدْ مَلَكَ الْبُضْعَ، وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ عَنْهُ بَعْدَ التَّحَالُفِ فَبَدَأَ بِأَحْلَافِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ تَحَالُفُهُمَا، وَمَنْ بَدَأَ الْحَاكِمُ بِإِحْلَافِهِ مِنْهُمَا، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً، أَوْ يَمِينَيْنِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا: أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينًا وَاحِدَةً تَجْمَعُ النَّفْيَ وَالْإِثْبَاتَ، لِأَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى فَصْلِ الْقَضَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>