فَأَمَّا عُرْفُ الِاخْتِيَارِ، فَكَالْبَوَادِي يَقْتَاتُونَ أَلْوَانَ الْحُبُوبِ وَسُكَّانِ جَزَائِرِ الْبِحَارِ يَقْتَاتُونَ لُحُومَ الصَّيْدِ، وَسُكَّانِ تِلْكَ الْجِبَالِ يَقْتَاتُونَ لُحُومَ الصَّيْدِ، فَيَحْنَثُ كُلُّ قَوْمٍ مِنْهُمْ بِأَكْلِ عُرْفِهِمْ فِي أَقْوَاتِهِمْ، وَلَا يَحْنَثُونَ بِعُرْفِ غَيْرِهِمْ؛ لِخُصُوصِهِ فِي عُرْفِهِمْ، وَيَحْنَثُونَ بِالْعُرْفِ الشَّرْعِيِّ؛ لِعُمُومِهِ فِيهِمْ، وَلَا يَحْنَثُ غَيْرُهُمْ بِعُرْفِهِمْ لِخُصُوصِهِ فِيهِمْ.
وَأَمَّا عُرْفُ الِاضْطِرَارِ فَكَأَهْلِ الْفَلَوَاتِ يَقْتَاتُونَ الْحَشِيشَ فِي زَمَانِ الْجَدْبِ، وَيَقْتَاتُونَ الْأَلْبَانَ فِي غَيْرِهَا فِي زَمَانِ الْخِصْبِ، فَيَحْنَثُونَ فِي زَمَانِ الْجَدْبِ بِقُوتِهِمْ فِي الْجَدْبِ وَالْخِصْبِ، ويحنثون في زمان الخصب بقوتهم في الخطب دُونَ الْجَدْبِ وَيَكُونُ عُرْفُ الزَّمَانِ مُعْتَبَرًا كَمَا كَانَ عُرْفُ الْمَكَانِ مُعْتَبَرًا.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَعَامًا حَنِثَ بِكُلِّ مَطْعُومٍ مِنْ قُوتٍ وَإِدَامٍ وَفَاكِهَةٍ وَحَلْوَى، لِأَنَّ جَمِيعَهَا مَطْعُومَةٌ، فَانْطَلَقَ اسْمُ الطَّعَامِ عَلَيْهَا، وَلَا يَحْنَثُ بِأَكْلِ الدَّوَاءِ، وَإِنْ كَانَ مَطْعُومًا؛ لِأَنَّ اسْمَ الطَّعَامِ لَا يَنْطَلِقُ عَلَيْهِ.
وَحُكِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَحْنَثُ فِي الطَّعَامِ إِلَّا بِأَكْلِ الْحِنْطَةِ وَحْدَهَا اعْتِبَارًا بِاسْمِهِ عُرْفًا، وَهَذَا فَاسِدٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لَبَنِي إسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائِيلَ عَلَى نَفْسِهِ) {آل عمران: ٩٣) . يُرِيدُ كُلَّ مَطْعُومٍ فَصَارَ اسْمُ الطَّعَامِ فِي الشَّرْعِ مُنْطَلِقًا عَلَى كُلِّ مَطْعُومٍ، وَفِي الْعُرْفِ مُنْطَلِقًا بِالْعِرَاقِ عَلَى الْحِنْطَةِ، فَكَانَ حَمْلُهُ عَلَى عُرْفِ الشَّرْعِ أَوْلَى ... فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ حُمِلَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا عَلَى نِيَّتِهِ.
(فَصْلٌ:)
إِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لا أكلت الحلوء حَنِثَ بِأَكْلِ كُلِّ مَا عُصِرَ بِالسُّكَّرِ أَوِ الْعَسَلِ أَوِ الدَّقِيقِ، حَتَّى امْتَزَجَ بِضَرْبِهِ مِنْ لَوْزٍ أَوْ جَوْزٍ أَوْ دَقِيقٍ، فَيَصِيرُ بِالْمَزْجِ دَاخِلًا فِي اسْمِ الْخَلْطِ الْحَلْوَاءِ، فَإِنِ انْفَرَدَ بِأَكْلِ سُكَّرٍ أَوْ عَسَلٍ أَوْ دِبْسٍ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ حُلْوٌ، وَلَيْسَ بِحَلْوَاءَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ حَلَاوَةً حَنِثَ بِأَكْلِ هَذَا كُلِّهِ مُنْفَرِدًا وَمُمْتَزِجًا، وَلَمْ يَحْنَثْ بِأَكْلِ الْفَوَاكِهِ الْحُلْوَةِ، وَلَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ شَيْئًا حُلْوًا حَنِثَ بِأَكْلِ هَذَا كُلِّهِ، وَحَنِثَ بِأَكْلِ الْفَوَاكِهِ الْحُلْوَةِ، وَلَوْ حَلِفَ لَا يَأْكُلُ لَذِيذًا، فَأَكَلَ مَا يَسْتَلِذُّهُ هُوَ، وَلَا يَسْتَلِذُّهُ غَيْرُهُ حَنِثَ، وَلَوْ أَكَلَ مَا يَسْتَلِذُّهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَسْتَلِذُّهُ هُوَ لَمْ يَحْنَثْ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَلِذٍّ بِمَا أَكَلَ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا أَكَلْتُ مُسْتَلَذًّا حَنِثَ بِمَا يَسْتَلِذُّهُ غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَلَذَّ مِنْ صِفَاتِ الْمَأْكُولِ، وَاللَّذِيذَ مِنْ صِفَاتِ الْأَكْلِ.
وَإِذَا قَالَ: وَاللَّهِ لَا شَمَمْتُ الرَّيْحَانَ، حَنِثَ بِشَمِّ الشَّاهَسْفَرَمَ وهو الريحان
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute