فَصْلٌ
وَإِذَا تَنَاكَحَ الزَّوْجَانِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ثُمَّ طلقها ثلاثاً ففي حكم طلاقه وحكم تحريمها عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا:
أحدهما: يجز عَلَيْهِ حُكْمَ الطَّلَاقِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَأَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ، وَأَبِي حَامِدٍ الْمَرْوَزِيِّ اعْتِبَارًا بِأَغْلَظِ الْأَمْرَيْنِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَامِدٍ الْإِسْفَرَايِينِيِّ وَمَنْ عَاضَدَهُ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَرُبَّمَا كَانَ لَهُمْ فيه سَلَفٌ إنَّ حُكْمَ الطَّلَاقِ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ للحكم بإبطاله وإنما تَحِلُّ لَهُ قَبْلَ زَوْجٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ إِلَّا فِي نِكَاحٍ، وَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَكُونَ نِكَاحًا.
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ، فَإِنْ قِيلَ بِهَذَا الْوَجْهِ إِنَّهُ إِذَا طَلَّقَهَا ثَلَاثًا لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَهَا، قَبْلَ زَوْجٍ، فَإِنَّهُ إِذَا أَصَابَهَا لَمْ تَحِلَّ بِإِصَابَتِهِ لَهَا للزوج إن كان طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ثَلَاثًا.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا قَدْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِطَلَاقِهِ لَهَا ثَلَاثًا حَتَّى تَنْكِحَ زوجاً غيره فهل تحل بإصابته لها الزوج إِنْ كَانَ قَدْ طَلَّقَهَا قَبْلَهُ ثَلَاثًا أَمْ لَا فِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَحِلُّ لَهُ لِإِجْرَائِنَا عَلَى طَلَاقِهِ حُكْمَ الطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تَحِلُّ لَهُ لِأَنَّنَا ألزمناه حكم طلاقه تغليظاً عليهما فَكَانَ مِنَ التَّغْلِيظِ أَنْ لَا تَحِلَّ لِغَيْرِهِ بإصابته.
[فصل]
وإذا عدمت المرأة ولياً مناسباً وكانت فِي بَلَدٍ لَا حَاكِمَ فِيهِ وَأَرَادَتْ نِكَاحَ زَوْجٍ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَيْسَ لَهَا أَنْ تنكح حتى تجد ولياً بحكم أو بنسب كَمَا عَدِمَتِ الشُّهُودَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَتَزَوَّجَ حتى تجد الشهود.
والوجه الثاني: أن يَجُوزَ لِلضَّرُورَةِ أَنْ تَتَزَوَّجَ، لِأَنَّ الْوَلِيَّ يُرَادُ لِنَفْيِ الْعَارِ عَنْهُ بِتَزْوِيجِ غَيْرِ الْكُفْءِ فَإِذَا عدم زال معناه وخالف الشهود المعقود بِهِمُ الِاسْتِيثَاقَ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا جَوَّزَ لَهَا التَّزْوِيجَ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَتَوَلَّاهُ بِنَفْسِهَا؛ لِأَنَّ فَقْدَ الْوَلِيِّ قَدْ أَسْقَطَ حُكْمَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تُوَلِّي أَمْرَهَا رَجُلًا يَكُونُ بَدَلًا مِنْ وَلِيِّهَا حَتَّى لَا يَخْلُوَ الْعَقْدُ مَنْ عَدَدِهِ، وَيُحْتَمَلُ تَخْرِيجُ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْخَصْمَيْنِ إِذَا حَكَّمَا رَجُلًا هَلْ يَلْزَمُهُمَا حُكْمُهُ كَلُزُومِ الْحَاكِمِ وَاللَّهُ أعلم.
[مسألة]
قال الشافعي: " وَلَا وِلَايَةَ لِوَصِيٍّ لِأَنَّ عَارَهَا لَا يَلْحَقُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: