وَمِنَ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ فِي الشِّرْكِ أُخْتَيْنِ وَاحِدَةً بَعْدَ الْأُخْرَى ثُمَّ مَاتَتِ الْأُولَى وأسلمت معه الثانية جاز له استبدالها فَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْأُولَى بَاقِيَةً؛ وَلِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَسْتَدِيمَ الْمُقَامَ فِي الْإِسْلَامِ عَلَى عَقْدِ نِكَاحٍ فِي الشِّرْكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ مِثْلَهُ فِي الْإِسْلَامِ وَهُوَ أن يَكُون قَدْ نَكَحَهَا بِغَيْرِ شُهُودٍ جَازَ مِثْلُهُ فِي جَمْعِ الْعَدَدِ وَفِي الْأَوَاخِرِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ استدلالهم بالخبر فمن يقول بموجبه أننا نُحَرِّمُ عَلَيْهِ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْبَعٍ كَالَّذِي لَمْ يَزَلْ مُسْلِمًا.
فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَرْأَةِ إِذَا أَسْلَمَتْ مَعَ زَوْجَيْنِ تَعْلِيلًا بِأَنَّهُ تَحْرِيمُ جَمْعٍ فالتعليل غير مسلم، لأنه لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى الْمَرْأَةِ الزَّوْجَ الثَّانِي بَعْدَ الْأَوَّلِ لِأَجْلِ الْجَمْعِ، وَلَكِنْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ ملك بعضها فَصَارَتْ عَاقِدَةً مَعَ الثَّانِي عَلَى مَا قَدْ مَلَكَهُ الْأَوَّلُ عَلَيْهَا، فَجَرَى مَجْرَى مَنْ بَاعَ مِلْكًا ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ آخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ الثاني لأجل الجمع ولكن يعقده عَلَى مَا قَدْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ كَذَلِكَ نِكَاحُ الزَّوْجِ الثَّانِي. وَخَالَفَ نِكَاحُ الْخَامِسَةِ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مَمْلُوكَةِ الْبُضْعِ كَالرَّابِعَةِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ فَالْمَعْنَى فِيهِنَّ: أَنَّهُ لَمَّا حَرُمَ ابْتِدَاءُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ حَرُمَ اسْتِدَامَةُ نِكَاحِهِنَّ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْأَوَاخِرُ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِ فَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ عُقُودَ الْمُسْلِمِ أَضْيَقُ حُكْمًا وَأَغْلَظُ شَرْطًا مِنْ عُقُودِ الْمُشْرِكِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ نَكَحَ فِي عِدَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ شُهُودِ بَطَلَ، وَلَوْ أَسْلَمَ الْمُشْرِكُ عَلَيْهِ أُقِرَّ كَذَلِكَ الْأَوَاخِرُ.
فَصْلٌ: فَأَمَّا الْحَالُ الثَّانِيَةُ
: وَهُوَ أَنْ يُسْلِمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فَيَنْظُرَ، فَإِنْ أَسْلَمَ الزَّوْجُ وَزَوْجَتُهُ كِتَابِيَّةٌ فَالنِّكَاحُ بِحَالِهِ، لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْتَدِئَ نِكَاحَهَا فِي الْإِسْلَامِ فَجَازَ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا فِي الشِّرْكِ، وَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتُهُ وَثَنِيَّةً أَوْ أَسْلَمَتِ الزَّوْجَةُ، وَكَانَ زَوْجُهَا كِتَابِيًّا، أَوْ وَثَنِيًّا، فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بَعْدَ إسلام أحدهما محرم، وإذا كان كذلك نُظِرَ فِي إِسْلَامِ أَحَدِهِمَا فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ النِّكَاحُ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ كَانَ موقوفاً على انقضاء العدة، فإن أسلمتا الْمُتَأَخِّرُ فِي الشِّرْكِ مِنْهُمَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا كَانَا عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُسْلِمْ حَتَّى انْقَضَتْ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَسَوَاءٌ تَقَدَّمَ بِالْإِسْلَامِ الزَّوْجُ أَوِ الزَّوْجَةُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِسْلَامُ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ دَارِ الْإِسْلَامِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ تَقَدَّمَتِ الزوجة بالإسلام كان الحكم على ما ذكرناه إِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ بَطَلَ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ وَقَفَ عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، وَإِنْ تَقَدَّمَ الزَّوْجُ بِالْإِسْلَامِ كَانَ النِّكَاحُ بَاطِلًا إِلَّا أَنْ تُسْلِمَ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُ بِزَمَانٍ يَسِيرٍ كَيَوْمٍ أو يومين.
وقال أبو حنيفة: إن أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا، فَلَهُمَا ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ:
حَالٌ يَكُونَانِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، وَحَالٌ يَكُونَانِ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ، وَحَالٌ يَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْآخرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ.