للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ كَانَ أَبُو بَكْرَةَ عَلَى إِصْرَارِهِ يُسْتَرْوَى فَيَرْوِي وَيُسْتَشْهَدُ [فَلَا] يَشْهَدُ.

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ رَدَّ الشَّهَادَةِ مُؤَبَّدًا، فَهُوَ مَشْرُوطُ الْإِطْلَاقِ بِعَدَمِ التَّسْوِيَةِ ومستثنى التأييد بِالتَّوْبَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَهُوَ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَنْ لَمْ يَتُبْ أَصْلًا.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَهُوَ أَنَّهَا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: ٢] .

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَالتَّوْبَةُ إِكْذَابُهُ نَفْسَهُ لِأَنَّهُ أَذْنَبَ بِأَنْ نَطَقَ بِالْقَذْفِ وَالتَّوْبَةُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ: الْقَذْفُ بَاطِلٌ كَمَا تَكُونَ الرِّدَّةُ بِالْقَوْلِ، وَالتَّوْبَةُ عَنْهَا بِالْقَوْلِ. فَإِنْ كَانَ عَدْلًا قُبِلَتْ شهادته وإلا فحتى يحسن حاله (قال الشافعي) أخبرنا سفيان بن عيينة قال سمعت الزهري يقول زعم أهل العراق أن شهادة القاذف لا تجوز فأشهد لأخبرني ثم سمى الذي أخبره أن عمر قال لأبي بكرة تب تقبل شهادتك أو قال إن تبت قبلت شهادتك (قال) وبلغني عن ابن عباس مثل معنى هذا وقال ابن أبي نجيح كلنا نقوله قلت من قال؟ عطاء وطاوس ومجاهد وقال الشَّعْبِيُّ يَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلَا تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ (قال الشافعي) وهو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات لأهلها فكيف تردونها في أحسن حالاته وتقبلونها في شر حالاته؟ وإذا قبلتم توبة الكافر والقاتل عمدا كيف لا تقبلون توبة القاذف وهو أيسر ذنبا؟ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّ الْقَاذِفَ إِذَا حَقَّقَ قَذْفَهُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ كَانَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ، وَإِنْ لَمْ يُحَقِّقْهُ تَعَلَّقَ بِهِ مَا ذكرناه مِنَ الْأَحْكَامِ الثَّلَاثَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ مِنْ قَذْفِهِ اسْتَقَرَّتِ الْأَحْكَامُ فِيهِ، وَإِنْ تَابَ ارْتَفَعَ مَا سِوَى الْجَلْدِ، فَلَزِمَ أَنْ نَذْكُرَ شُرُوطَ التوبة، وشروطها يختلف بِاخْتِلَافِ الذَّنْبِ، وَلِلذَّنْبِ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ.

وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَتَعَلَّقَ بِهِ حَقٌّ، فَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِالذَّنْبِ حَقٌّ سِوَى الْإِثْمِ كَمَنْ قَبَّلَ أَجْنَبِيَّةً أَوِ اسْتَمْتَعَ بِمَا دَوَنَ الْفَرْجِ مِنْهَا فَمَأْثَمُ هَذَا الذَّنْبِ مُخْتَصٌّ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَجَاوَزُهُ إِلَى مَخْلُوقٍ، فَالتَّوْبَةُ مِنْهُ تَكُونُ بِشَرْطَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>