للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كَانَ الْفَسْخُ مَنْ قِبَلِهَا أَوْ مِنْ قِبَلِهِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْهَا سَقَطَ بِهِ مَهْرُهَا كَمَا لَوِ ارْتَدَّتْ، وَإِنْ كَانَ مِنَ الزَّوْجِ فَهُوَ لِعَيْبٍ فِيهَا فَصَارَ مُضَافًا إِلَيْهَا، وَيَكُونُ هذا فائدة الفسخ التي تخالف حُكْمَ الطَّلَاقِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ الَّذِي كَانَ يُلْزِمُهُ بِالطَّلَاقِ، فَعَلَى هَذَا لَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَهُوَ لَا يُعْلِمُ بِعَيْبِهَا ثُمَّ عَلِمَ كَانَ عَلَيْهِ نِصْفُ الْمَهْرِ ولم تسقط عَنْهُ بِظُهُورِهِ عَلَى الْعَيْبِ، لِأَنَّ النِّكَاحَ انْقَطَعَ بالطلاق، ولم يرفع بِالْفَسْخِ نَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ فِي " الْإِمْلَاءِ " ثُمَّ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا، وَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَلَا سُكْنَى، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَجِبَ بِالْفَسْخِ قَبْلَهُ.

فَصْلٌ

وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الدُّخُولِ وَذَلِكَ، بِأَنْ لَا يَعْلَمَ بِعَيْبِهَا حَتَّى يُصِيبَهَا فَيَكُونُ لَهُ الْفَسْخُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ كَمَا كَانَ لَهُ قَبْلَهَا، فَإِنِ ادَّعَتْ عَلِمَهُ بِالْعَيْبِ قَبْلَ الْإِصَابَةِ وَأَنْكَرَهَا وَأَمْكَنَ الْأَمْرَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ عَدَمُ عِلْمِهِ وَثُبُوتُ خِيَارِهِ، فَإِذَا فُسِخَ النِّكَاحُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ فَلَهَا مهر مثلها بالإصابة وسواء كَانَ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهَا أَوْ مِنْ جِهَتِهِ لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " فلها المهر بما استحل من فرجها " فإن قيل: أفليس لو وطء أَمَةً قَدِ اشْتَرَاهَا ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ لَمْ يلزمه بالوطء مهر فَهَلَّا كَانَتِ الْمَنْكُوحَةُ إِذَا رُدَّتْ بِعَيْبٍ لَمْ يَلْزَمْهُ بِوَطْئِهَا مَهْرٌ.

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْوَطْءَ فِي الْمِلْكِ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْمَهْرِ وَفِي النِّكَاحِ مَضْمُونٌ بِالْمَهْرِ، لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ الرَّقَبَةُ، وَفِي النِّكَاحِ الْمَنْفَعَةُ ثُمَّ أَوْجَبْنَا بِالْإِصَابَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ الْفَسْخُ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لِأَنَّهُ بِعَيْبٍ تَقَدَّمَ عَلَى النِّكَاحِ فَصَارَتْ أَفْعَالُهُ مِنْ أَصِلِهِ فَسَقَطَ مَا تضمنه من صداق مسمى.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ عَلَيْهِ مَهْرَ الْمِثْلِ دُونَ الْمُسَمَّى، فَهَلْ يَرْجِعُ بَعْدَ غُرْمِهِ عَلَى من غره أو لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: - وَبِهِ قَالَ فِي الْقَدِيمِ - يَرْجِعُ بِهِ لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تعال عَنْهُ - وَذَلِكَ لِزَوْجِهَا غُرْمٌ عَلَى وَلِيِّهَا، وَلِأَنَّ الْغَارَّ قَدْ أَلْجَأَهُ إِلَى الْتِزَامِ الْمَهْرِ بِهَذِهِ الإصابة ولولاه لما لزمه المهر إلا بإصابة مُسْتَدَامَةً فِي نِكَاحٍ ثَابِتٍ فَجَرَى مَجْرَى الشَّاهِدَيْنِ إِذَا أَلْزَمَاهُ بِشَهَادَتِهِمَا غُرْمًا ثُمَّ رَجَعَا لَزِمَهُمَا غُرْمُ مَا اسْتُهْلِكَ بِشَهَادَتِهِمَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: - قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ - لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَارِّ لِقَوْلِ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نُكِحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيٍّ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَإِنْ مَسَّهَا فَلَهَا الْمَهْرُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا " وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ الرُّجُوعَ بِهِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ فِي إِذْنِ الْوَلِيِّ أَوْ عَلَى مَنِ ادَّعَى فِي نِكَاحِهَا أَنَّهُ وَلِيٌّ فَدَلَّ عَلَى أَنْ لَا رُجُوعَ بِالْغَرُورِ، وَلِأَنَّ غُرْمَ الْمَهْرِ بَدَلٌ مِنِ اسْتِهْلَاكِهِ لِلْبُضْعِ وَاسْتِمْتَاعِهِ بِهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْجِعَ بِغُرْمِ مَا أَوْجَبَهُ اسْتِهْلَاكُهُ، وَإِنْ كَانَ مَغْرُورًا كَالْمَغْرُورِ فِي مبيع قد استهلكه، ولأن لا يُجْمَعَ بَيْنَ تَمَلُّكِ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ، وَقَدْ يَمْلِكُ الاستمتاع

<<  <  ج: ص:  >  >>