للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ مَالِكٌ، وأبو حنيفة، لَيْسَتْ وَاجِبَةً وَلَا مُسْتَحَبَّةً، وَبِهِ قَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، إِلْحَاقًا بِالسُّجُودِ وَالرُّكُوعِ وَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ كَانَ وَاجِبًا لِيَكُونَ مَعَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ.

وَالدَّلَالَةُ عَلَى وُجُوبِهَا: رِوَايَةُ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَبَّرَ عَلَى الْجِنَازَةِ أَرْبَعًا وَقَرَأَ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الْأَوْلَى، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَقَالَ: إِنَّمَا جَهَرْتُ لِتَعْلَمُوا أَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً وَلِأَنَّهَا صلاة تتضمن القيام فوجب أن تتضمن القراءة كَسَائِرِ الصَّلَوَاتِ.

فَصْلٌ

: فَإِذَا تَقَرَّرَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهَا وَاجِبَةٌ فَيَبْتَدِئُ بِالتَّعَوُّذِ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، فأما قوله: " وجهت وجهي " فَعَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: مُسْتَحَبٌّ كَالتَّعَوُّذِ.

وَالثَّانِي: لَيْسَ بِمُسْتَحَبٍّ كَالسُّورَةِ، ثُمَّ إِنْ صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ نَهَارًا، أَسَرَّ بِالْقِرَاءَةِ، وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهَا لَيْلًا، فَفِيهِ لِأَصْحَابِنَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجْهَرُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ صَلَاةِ اللَّيْلِ.

وَالثَّانِي: يُسِرُّ بِهَا وَلَا يَجْهَرُ، كَمَا يُسِرُّ لِلدُّعَاءِ وَلَا يَجْهَرُ.

مَسْأَلَةٌ:

قَالَ الشافعي رضي الله عنه: " ثَمَّ يُكَبِّرُ الثَّانِيَةَ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ كَذَلِكَ، ثُمَّ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ".

ذكر المزني هاهنا، وإذا كبر الثانية ذكر الله تعالى، وصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، ودعا للمؤمنين والمؤمنات، فذكر ثَلَاثَةَ أَشْيَاءَ فَأَمَّا التَّحْمِيدُ: فَلَمْ يَحْكِ عَنِ الشَّافِعِيِّ غَيْرُ الْمُزَنِيِّ ذَكَرَهُ فِي الْمُخْتَصَرِ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي جَامِعِهِ الْكَبِيرِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ نَسَبَ الْمُزَنِيَّ إِلَى الْغَلَطِ فِيمَا نَقَلَهُ مِنَ التحميد، ولم يخيره، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ مِنَ التَّحْمِيدِ مَأْخُوذٌ بِهَا، وَالْمُزَنِيُّ لَمْ يَنْقُلْهَا مِنْ كِتَابٍ، وَإِنَّمَا رَوَاهَا سَمَاعًا مِنْ لَفْظِهِ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ التَّحْمِيدَ فِي الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِحْبَابِهِ عَلَى وَجْهَيْنِ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - واجبة، لقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ فِيهَا " وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْمَيِّتِ دُعَاءٌ يُرْجَى إِجَابَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ دُعَاءٍ فَهُوَ مَحْجُوبٌ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَى يُصَلَّى عَلَى مُحَمَدٍ وَعَلَى آلِهِ " وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الدُّعَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ اسْتِحْبَابٌ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ فِيهِ، وَيَحْمَدُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلًا، وَبِالصَّلَاةِ عَلَى نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ثانياً،

<<  <  ج: ص:  >  >>