يَدْخُلَانِ عَلَى الثَّوْبِ لِإِخْفَاءِ الْوَسَخِ فَلَا تُمْنَعُ الْحَادُّ مِنْ لُبْسِهَا، وَيُفَارِقَانِ السَّوَادَ فِي وُجُوبِ لُبْسِهِ عَلَى أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا فَرْقَ فِي أَلْوَانِ الزِّينَةِ الْمَحْظُورَةِ عَلَيْهَا مِنْ صَبْغِ الْغَزْلِ بِهَا قَبْلَ نَسْجِهِ وَبَيْنَ صَبْغِ الثَّوْبِ بِهَا بعد نسجه، لأنهما في الحالتين زِينَةٌ وَوَهِمَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا فَفَرَّقَ بَيْنَ مَا صبغ قبل النسج وبعد فَمَنَعَ مِنَ الْمَصْبُوغِ بَعْدَ نَسْجٍ وَأَبَاحَ الْمَصْبُوغَ قَبْلَ نَسْجِهِ وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي شَرْحِهِ، وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: عُمُومُ نَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ الْمَمْشُوقِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَصْبُوغَ قَبْلَ النِّسَاجَةِ أَحْسَنُ، وَهُوَ بِذَوِي النَّبَاهَةِ أَخَصُّ فَكَانَ بِالْحَظْرِ أَحَقَّ.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا الْحُلِيُّ مَحْظُورٌ عَلَيْهَا فِي الْإِحْدَادِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْهُ، وَلِأَنَّ نَزْعَهُ أَحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَسْمَاءَ: تَسَلَّبِي وَهَذَا مِمَّا تُخْتَصُّ بِهِ الْمُعْتَدَّةُ بِحَظْرِهِ دُونَ الْمُحْرِمَةِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ وَلَيْسَ لَهُ فِي زَوَالِ الشَّعَثِ تَأْثِيرٌ وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حُلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَاللُّؤْلُؤِ أَوِ الْجَوَاهِرِ وَسَوَاءٌ مَا كَثُرَ مِنْهُ كَالْخَلَاخِلَةِ وَالْأَسْوِرَةِ وَمَا قَلَّ كَالْخَوَاتِيمِ وَالْأَقْرَاطِ، فَأَمَّا إِنْ تَحَلَّتْ بِالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ فَإِنْ كَانَ مُمَوَّهًا بِالْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ أَوْ كَانَ مُشَابِهًا لِلْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ يَخْفَى عَلَى النَّاظِرِ إِلَّا بَعْدَ شِدَّةِ التَّأَمُّلِ فَهِيَ مَمْنُوعَةٌ مِنْ لُبْسِهِ أَيْضًا كَمَا تُمْنَعُ مِنْ لُبْسِ حُلِيِّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي لِبَاسِهِ وَتَحْسِينِهَا الدَّاعِي إِلَى اسْتِحْسَانِهَا، فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ.
(وَمَا الْحُلِيُّ إِلَّا زِينَةٌ لِنَقِيضَةٍ ... يُتِمُّ مِنْ حُسْنٍ إِذَا الْحُسْنُ قَصَّرَا)
(فَأَمَّا إِذَا كَانَ الْجَمَالُ مُوَفَّرًا ... كَحُسْنِكِ لَمْ يَحْتَجْ إِلَى أَنْ يُزَوَّدَا)
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يُشَبَّهْ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَتَمَيَّزَ عَنْهُمَا فِي النَّظَرِ رُوعِيَ فِيهِ حَالُ الْمُعْتَدَّةِ، فَإِنْ كانت من قوم جرت عادتهم أن يتحلو بِالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ مُنِعَتْ مِنْ لُبْسِهِ فِي الْإِحْدَادِ؛ لِأَنَّهُ زِينَةٌ لَهُمْ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ لَا يَتَحَلَّوْنَ بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ لِمَا يَتَصَوَّرُونَ فِيهِ مِنَ الْحِرْزِ وَالنَّفْعِ جَازَ لَهَا لُبْسُهُ؛ لأنه ليس يزينة لها، فإذا أرادت المعتدة في إحداها أَنْ تَلْبَسَ حُلِيَّهَا لَيْلًا وَتَنْزِعَهُ نَهَارًا جَازَ ذَلِكَ لَكِنْ إِنْ فَعَلَتْ ذَاكَ لِإِحْرَازِهِ لَمْ يُكْرَهْ وَإِنْ فَعَلَتْهُ لِغَيْرِ إِحْرَازٍ وَحَاجَةٍ كُرِهَ وَإِنْ لَمْ يَحْرُمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
فَأَمَّا مَا عَدَا زِينَةَ جَسَدِهَا مِنْ زِينَةِ مَنْزِلِهَا وَزِينَةِ فُرِشِهَا فَلَا تُمْنَعُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا عَلَى الْإِحْدَادِ مِنَ الْأَجَانِبِ مَنْ يَرَاهَا فِيهِ فَيُحَسِّنُهَا وَكَذَلِكَ لَا يَحْرُمُ عَلَيْهَا أَنْ تَنَامَ عَلَى فِرَاشٍ أَوْ تَضَعَ رَأْسَهَا عَلَى وِسَادَةٍ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ أَكْلِ اللَّحْمِ وَالْحَلْوَاءِ وَسَائِرِ الْمَآكِلِ الْمُشْتَهَاةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا رَهْبَانِيَّةَ فِي الْإِسْلَامِ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute