( [شَهَادَةُ مُبْتَدِعِ الرَّأْيِ] )
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ: أَنْ يَبْتَدِعَ رَأْيًا وَلَا يَعْتَقِدَ بِهِ تَكْفِيرَ مُخَالِفِهِ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَرْتَكِبَ فِيهِ الْهَوَى وَلَا يَتَمَسَّكَ فِيهِ بِتَأْوِيلٍ: فَهُوَ ضَالٌّ يُحْكَمُ بِفِسْقِهِ وَرَدِّ شَهَادَتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عن الهوى. فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات: ٤١، ٤٠] . وَسُنَّةُ عُمَرَ رضي الله عنه في صبيغ. وَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ يَطُوفُ بِهَا وَيَسْأَلُ عَنِ الشُّبَهَاتِ وَيَمِيلُ إِلَى الْمُخَالَفَةِ. فَأَمَرَ بِهِ وَضُرِبَ بِالْجَرِيدِ وَشُهِرَ بِالْمَدِينَةِ وَنُفِيَ عَنْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ: سنتي فيه سنة عمر في صبيغ وَلِأَنَّ مَنِ ارْتَكَبَ الْهَوَى وَلَمْ يَتَّبِعِ الدَّلِيلَ فَقَدْ ضَلَّ وَأَضَلَّ، إِذْ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ وَلَا بَيْنَ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ، وَلِأَنَّ الْهَوَى أَسْرَعُ إِلَى الْبَاطِلِ مِنَ الْحَقِّ، لِخِفَّةِ الْبَاطِلِ وَثِقَلِ الْحَقِّ.
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَتَمَسَّكَ فِيمَا ابْتَدَعَهُ بِتَأْوِيلٍ فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ بِهِ الْإِجْمَاعَ مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَدْفَعَ مَا اعْتَقَدَهُ الْإِجْمَاعُ. وَإِمَّا أَنْ يَدْفَعَ بِمُعْتَقَدِهِ الْإِجْمَاعَ.
فَإِنْ دَفَعَ بِمُعْتَقَدِهِ الْإِجْمَاعَ، فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ أَوْ إِجْمَاعَ غَيْرِهِمْ. فَإِنْ خَالَفَ بِهِ إِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ ضَلَّ بِهِ وَحُكِمَ بِفِسْقِهِ وَرَدِّ شهادته لقوله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " لَا تَجْتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ ".
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ مِنْ بَعْدِي، عضوا عليها بالنواجز وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ وَكُلُّ ضلالة في النار ".
وَإِنْ خَالَفَ بِهِ إِجْمَاعَ غَيْرِ الصَّحَابَةِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ إِنَّ الْإِجْمَاعَ هُوَ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ دُونَ غَيْرِهِمْ، وَيَعْتَقِدُ اسْتِحَالَةَ إِجْمَاعِ غَيْرِهِمْ لِتَبَاعُدِ أَعْصَارِهِمْ كَانَ عَلَى عَدَالَتِهِ وَقَبُولِ شَهَادَتِهِ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَقُولُ بِإِجْمَاعِ كُلِّ عَصْرٍ. فُسِّقَ بِمُخَالَفَةِ الْإِجْمَاعِ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ.
(فَصْلٌ)
: وَالضَّرْبُ الثَّانِي: وَأَنْ لَا يُخَالِفَ بِمُعْتَقَدِهِ الْإِجْمَاعَ، فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تُفْضِيَ بِهِ الْمُخَالَفَةُ إِلَى الْقَدْحِ فِي بَعْضِ الصَّحَابَةِ. فَهُوَ عَلَى ضربين: سبب وجرح.