الْأُمِّ، وَنَقَلَهُ الْمُزَنِيُّ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ، أَنَّ الطَّلَاقَ وَاقِعٌ، لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى صِفَةٍ مُسْتَحِيلَةٍ، فَوَقَعَ الطَّلَاقُ وَأُلْغِيَتِ الصِّفَةُ، كَمَا لَوْ قَالَ: لِمَنْ لَا سُنَّةَ فِي طَلَاقِهَا وَلَا بِدْعَةَ أَنْتِ لِلسُّنَّةِ أَوْ لِلْبِدْعَةِ طُلِّقَتْ فِي الْحَالِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ سُنَّةٍ وَلَا بِدْعَةٍ.
قَالَ الرَّبِيعُ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ؛ أَنَّهُ لَا طَلَاقَ عَلَيْهِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ، فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يَجْعَلُهُ قَوْلًا ثَانِيًا لِلشَّافِعِيِّ تَعْلِيلًا بِأَنَّ تَعْلِيقَ الطَّلَاقِ بِالصِّفَاتِ الْمُسْتَحِيلَةِ لَا يُوجِبُ وُقُوعَهُ وَإِلْغَاءَ الصِّفَةِ، كَمَا لَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ صَعِدْتِ السَّمَاءَ، أَوْ شَرِبْتِ مَاءَ الْبَحْرِ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا لِاسْتِحَالَةِ صُعُودِ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَاءِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي لَا يَجِبُ وُقُوعُهُ فِي الْحَالِ لِاسْتِحَالَةِ وُقُوعِهِ فِي الشَّهْرِ الْمَاضِي.
وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّهُ مَذْهَبٌ لِلرَّبِيعِ، وَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ أَنَّ اسْتِحَالَةَ صُعُودِ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَاءِ الْبَحْرِ، لِأَنَّهُ بِخِلَافِ الْعَادَةِ لَا أَنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْقُدْرَةِ، فَلِذَلِكَ صَارَ صِفَةً مُعْتَبَرَةً لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِلْغَائِهَا، وَإِيقَاعُ الطَّلَاقِ الْحَادِثِ فِي الزمان الماضي مستحيل لخروجه عن القدرة، فصار الصِّفَةُ فِيهِ مُلْغَاةً، وَالطَّلَاقُ فِيهِ وَاقِعًا، عَلَى أَنَّ مِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ وَأَوْقَعَ الطَّلَاقَ، إِذَا عَلَّقَهُ بِصُعُودِ السَّمَاءِ وَشُرْبِ مَاءِ الْبَحْرِ، لِاسْتِحَالَتِهِ كَمَا إِذَا عَلَّقَهُ بِالشَّهْرِ الْمَاضِي، وَالصَّحِيحُ أن لا يَقَعَ، وَإِنْ كَانَ بينهما فرق فهو ما تقدم.
[(فصل:)]
فَصْلٌ وَلَوْ قَالَ لَهَا: إِذَا قَدِمَ زَيْدٌ فَأَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ، فَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ بَعْدَ شَهْرٍ، طُلِّقَتْ قَبْلَ قُدُومِهِ بِشَهْرٍ؛ لِأَنَّهُ طَلَاقٌ يَقَعُ بَعْدَ عَقْدِهِ، وَإِنْ قَدِمَ زَيْدٌ قَبْلَ شَهْرٍ فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ يُجعلُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَالرَّبِيعِ، لِأَنَّهُ طَلَاقٌ أَوْقَعَهُ قَبْلَ عَقْدِهِ، وَذَهَبَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ ها هنا، قَوْلًا وَاحِدًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ وجود الشرط ها هنا مُمْكِنًا لَا يَسْتَحِيلُ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ وَوُجُودُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مُسْتَحِيلٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ، فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ، طُلِّقَتْ قَبْلَ مَوْتِهِ بِشَهْرٍ؛ لِوُجُودِ الشَّرْطِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَوْ مَاتَ قَبْلَ شَهْرٍ بلم تُطَلَّقْ؛ لِتَقَدُّمِ الشَّرْطِ عَلَى الْعَقْدِ.
وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَتِ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَمَاتَتْ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَهَا، فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ تَمُوتَ بَعْدَ شَهْرٍ، وَيَكُونُ مَوْتُهَا قَبْلَهُ لِأَقَلَّ مَنْ شَهْرٍ، لِيَكُونَ الشَّرْطُ مُصَادِفًا لِحَيَاتِهَا، فَإِنْ مَاتَتْ قَبْلَهُ لِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لَمْ يَصِحَّ الطَّلَاقُ، لِمُصَادَفَةِ الشَّرْطِ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَالطَّلَاقُ لَا يَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَهَكَذَا لَوْ مَاتَتْ قَبْلَهُ بِشَهْرٍ سَوَاءٌ لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ لَا يقع عَلَيْهَا مَعَ الْمَوْتِ، كَمَا لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْمَوْتِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute