وَرَوَى الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ حَرَّقَ حَرَّقْنَاهُ وَمَنْ غَرَّقَ غَرَّقْنَاهُ ".
وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ رَجُلًا مِنَ اليَهُودِ شَدَخَ رَأْسَ جَارِيَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَتَلَهَا، وَأَخَذَ حُلِيَّهَا، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَشدخَ رَأْسهُ بَيْنَ حَجَرَيْنِ حَتَّى قُتِلَ. وَلِأَنَّ كُلَّ آلَةٍ قَتَلَ مِثْلُهَا جَازَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ بِمِثْلِهَا كَالسَّيْفِ.
وَلِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْضُوعٌ لِلْمُمَاثَلَةِ وَهِيَ مُعْتَبَرَةٌ فِي النَّفْسِ فَكَانَ أَوْلَى أَنْ تُعْتَبَرَ فِي آلَةِ الْقَتْلِ.
وَلِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَحَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى تَارَةً وَلِلْآدَمِيِّينَ تَارَةً، فَلَمَّا تَنَوَّعَ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى نَوْعَيْنِ بِالْحَدِيدِ تَارَةً، وَبِالْمُثَقَّلِ فِي رَجْمِ الزَّانِي الْمُحْصَنِ، وَجَبَ أَنْ يَتَنَوَّعَ فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ نَوْعَيْنِ بِمُثَقَّلٍ وَغَيْرِ مُثَقَّلٍ.
وَتَحْرِيرُهُ قِيَاسًا: أَحَدُ الْقَتْلَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَتَنَوَّعَ اسْتِيفَاءُ نَوْعَيْنِ كَالْقَتْلِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " لَا قَوَدَ إِلَّا بِالسَّيْفِ ".
وَقَوْلُهُ: " إِلَّا بِحَدِيدَةٍ "، فَمَحْمُولٌ عَلَى الْقَتْلِ إذا كان بسيف أو حديدة، ورواية ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنْ لَا يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ " فَوَارِدٌ فِي غَيْرِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّ القصاص مماثلة ليس بعذاب، وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِيفَاءُ حَقٍّ، وَكَذَا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى قَتْلِ الْمُرْتَدِّ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الذبائح مع فساده يرجم الزَّانِي الْمُحْصَنُ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ فِيهِ، وَأَنَّ مَحَلَّ الذَّبْحِ مُعَيَّنٌ، فَجَازَ أَنْ تَكُونَ الْآلَةُ مُعَيَّنَةً، وَلَمَّا اعْتُبِرَتِ الْمُمَاثَلَةُ بمحل الجناية اعتبرت بمثل آلتها.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْقِصَاصِ بِكُلِّ مَا يُقْتَلُ بِمِثْلِهِ، فَهُوَ عَلَى الْعُمُومِ بِكُلِّ مَا قَتَلَ، إِلَّا بِثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ:
أَنْ يُقْتَلَ بِالسِّحْرِ، أَوْ بِاللِّوَاطِ، أَوْ بِسَقْيِ الْخَمْرِ، فَلَا يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ وَإِنْ قَتَلَ وَلَا يُقْتَلُ باللواط وإن لاط به، ولا يقتب بِسَقْيِ الْخَمْرِ وَإِنْ سَقَاهُ، وَيُعْدَلُ إِلَى قَتْلِهِ بِالسَّيْفِ.
وَحُكِيَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ يُقْتَلُ فِي قَتْلِ اللِّوَاطِ بِإِيلَاجِ خَشَبَةٍ، وَفِي سَقْيِ الْخَمْرِ بِسَقْيِ الْخَلِّ، وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَتِ الْمُمَاثَلَةُ لِحَظْرِهَا عَلَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ بِهِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْعُدُولِ عَنْهَا مُمَاثَلَةٌ، كَانَ السَّيْفُ أَحَقَّ، فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ بِالسُّمِّ الْمَهْرِيِّ احْتَمَلَ الْقِصَاصُ بِمِثْلِهِ وَجْهَيْنِ: