للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مسألة:]

قال الشافعي: " وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يَرْبِطَهَا فِي كُمِّهِ فَأَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَتَلِفَتْ لَمْ يَضْمَنْ وَيَدُهُ أَحْرَزُ ".

قَالَ الماوردي: هكذا روى الْمُزَنِيُّ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ وَيَدُهُ أَحْرَزُ، وَرَوَى الرَّبِيعُ فِي الْأُمِّ أَنَّهُ يَضْمَنُ وَكُمُّهُ أَحْرَزُ، فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَحْمِلُ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ مَا رَوَاهُ الْمُزَنِيُّ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ، وَيَدُهُ أَحْرَزُ مِنْ كُمِّهِ، لِأَنَّهَا قَدْ تُسْرَقُ مِنْ كُمِّهِ وَلَا تُسْرَقُ مِنْ يَدِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ مَا رَوَاهُ الرَّبِيعُ فِي " الْأُمِّ ": أَنَّهُ يَضْمَنُ وَكُمُّهُ أَحْرَزُ مِنْ يَدِهِ، لِأَنَّ الْيَدَ حِرْزٌ مَعَ الذِّكْرِ دُونَ النِّسْيَانِ، وَالْكُمُّ حِرْزٌ مَعَ الذِّكْرِ وَالنِّسْيَانِ وَامْتَنَعَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ، وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ تَخْرِيجِ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَحَمَلُوا رِوَايَةَ الْمُزَنِيِّ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ عَلَى أَنَّهُ رَبَطَهَا فِي كُمِّهِ ثُمَّ أَمْسَكَهَا بِيَدِهِ فَلَا يَضْمَنُ، لِأَنَّ يَدَهُ مَعَ كُمِّهِ أَحْرَزُ مِنْ كُمِّهِ، وَحَمَلُوا رِوَايَةَ الرَّبِيعِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ وَلَمْ يَرْبِطْهَا فِي كُمِّهِ فَيَضْمَنُ، لِأَنَّ كُمَّهُ أَحْرَزُ مِنْ يَدِهِ.

فَصْلٌ:

فَأَمَّا إِذَا شَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يُمْسِكَهَا فِي يَدِهِ فَرَبَطَهَا فِي كُمِّهِ فَمَنْ جَعَلَ يَدَهُ أَحْرَزَ ضَمَّنَهُ، وَمَنْ جَعَلَ كُمَّهُ أَحْرَزَ خرج ضمانه عَلَى وَجْهَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي نَصِّ الْمُودِعِ هَلْ يَقْطَعُ اجْتِهَادَ الْمُسْتَوْدَعِ، وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يُحْرِزَهَا فِي جَيْبِهِ فَأَحْرَزَهَا فِي كُمِّهِ ضَمِنَ لِأَنَّ جَيْبَهُ أَحْرَزُ وَلَوْ أَمَرَهُ أَنْ يحرزها في كمه فأحرزها فِي جَيْبِهِ كَانَ ضَمَانُهُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.

فَصْلٌ:

وَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ وَدِيعَةً وَلَمْ يَشْرُطْ عَلَيْهِ أَنْ يَضَعَهَا فِي كُمِّهِ وَلَا فِي جَيْبِهِ وَلَا فِي يَدِهِ فَإِنْ وَضْعَهَا فِي كمه وَرَبَطَهَا كَانَ حِرْزًا، سَوَاءٌ رَبَطَهَا مِنْ دَاخِلِ كُمِّهِ أَوْ مِنْ خَارِجِهِ.

وَقَالَ أبو حنيفة: إِنْ جَعَلَهَا فِي ظَاهِرِ كُمِّهِ وَرَبَطَهَا مِنْ دَاخِلِهِ لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ بَعْدَ الرَّبْطِ دَاخِلَةً فِي كُمِّهِ، وَإِنْ جَعَلَهَا دَاخِلَ كُمِّهِ وَرَبَطَهَا مِنْ خَارِجِهِ ضَمِنَ، لِأَنَّهَا تَصِيرُ بَعْدَ الرَّبْطِ خَارِجَةً مِنْ كُمِّهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ لَا وَجْهَ لَهُ، لِأَنَّ الْكُمَّ بِهِ يَصِيرُ حِرْزًا لَا بِانْفِرَادِهِ فَاسْتَوَى الْأَمْرَانِ، فَأَمَّا إِنْ تَرَكَهَا فِي كُمِّهِ وَلَمْ يَرْبِطْهَا، نُظِرَ فَإِنْ كَانَ ذلك خفيفا قد ربما يسقط مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ ضَمِنَ وَإِنْ كان ثقيلا، ولا يَخْفَى عَلَيْهِ حَالُ سُقُوطِهِ لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ تَرَكَ الْوَدِيعَةَ فِي جَيْبِهِ فَإِنْ لَمْ يَزُرَّهُ عَلَيْهَا ضَمِنَ، وَإِنْ زَرَّهُ عَلَيْهَا لَمْ يَضْمَنْ، لِأَنَّ الْجَيْبَ أَحْفَظُ لَهَا إِذَا أَمِنَ سُقُوطَهَا مِنْهُ لِبُعْدِهِ مِنَ السَّارِقِ، فَلَوْ كَانَ الْجَيْبُ مَثْقُوبًا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِهِ فَسَقَطَتْ أَوْ حَصَلَتْ بَيْنَ قَمِيصِهِ وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِهَا فَسَقَطَتْ ضَمِنَهَا، وَلَوْ تَرَكَهَا فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ قَرِيبًا كَانَتْ يَدُهُ أَحْرَزَ، وَإِنْ كَانَ مَنْزِلُهُ بَعِيدًا فَإِنْ كَانَتْ خَفِيفَةً لَا يَأْمَنُ السَّهْوَ عَنْهَا ضَمِنَ وَلَمْ تَكُنْ يَدُهُ حِرْزًا، وَإِنْ كَانَتْ ثَقِيلَةً يَأْمَنُ السَّهْوَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ، فَأَمَّا الْخَاتَمُ إِذَا لَبِسَهُ فِي أُصْبُعِهِ كَانَتْ حِرْزًا إِذَا كَانَ مُتَمَاسِكًا فِي خِنْصَرِهِ، وَلَوْ كَانَ وَاسِعًا لَمْ يَكُنْ حِرْزًا، وَلَوْ لَبِسَ الْخَاتَمَ الْمُسْتَقِرَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>