وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْجَزَاءِ فَالْمَعْنَى فِي الْجَزَاءِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ؛ فَلِذَلِكَ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالْأَكْلِ، وَلَمَّا كَانَ لَحْمُ الصَّيْدِ غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ بِالْإِتْلَافِ كَانَ غَيْرَ مضمونٍ عَلَيْهِ بِالْأَكْلَ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمُ الْأَكْلَ عَلَى الْقَتْلِ فَبَاطِلٌ بِالصَّيْدِ الْمَيِّتِ فِي يَدِهِ فَيَضْمَنُهُ بِالْمَوْتِ وَلَا يَضْمَنُهُ بِالْأَكْلِ، عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الْقَتْلِ حُصُولُ الْإِتْلَافِ بِهِ وَعَدَمُ النَّمَاءِ بِوُجُودِهِ وَلَيْسَ كذلك الأكل بعد القتل.
فَصْلٌ
: وَأَمَّا حُكْمُ غَيْرِ الْقَاتِلِ فِي أَكْلِ الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَلَالٌ لِغَيْرِ قَاتِلِهِ مِنَ الْمُحِلِّينَ وَالْمُحْرِمِينَ وَيَكُونُ ذَلِكَ ذَكَاةً لِغَيْرِ قَاتِلِهِ مِنَ الْمُحِلِّينَ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فِي غَيْرِ الصَّيْدِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ فِي الصَّيْدِ كَالْحَلَالِ طَرْدًا وَالْمَجُوسِيِّ عَكْسًا؛ وَلِأَنَّهُ حيوانٌ يَصِحُّ فِيهِ ذَكَاةُ الْمُحِلِّ؛ فَوَجَبَ أَنْ تَصِحَّ فِيهِ ذَكَاةُ الْمُحْرِمِ كَالنَّعَمِ طَرْدًا وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ عَكْسًا، وَلِأَنَّ الْمُحْرِمَ ممنوعٌ مِنْ ذَكَاةِ الصَّيْدِ لِعَارِضٍ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْحَيَوَانِ، وَالْمَنْعُ مِنَ الذَّكَاةِ لعارضٍ يَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْحَيَوَانِ لَا يَمْنَعُ مِنْ وُقُوعِ الذَّكَاةِ كَالْغَاصِبِ يُمْنَعُ مِنْ ذَكَاةِ مَا غَصَبَهُ وَتَصِحُّ مِنْهُ ذَكَاتُهُ فَكَذَلِكَ الْمُحْرِمُ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ ميتةٌ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ لِمُحِلٍّ وَلَا لمحرمٍ وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهَا ذكاةٌ مَمْنُوعٌ مِنْهَا لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَوَجَبَ أَلَّا تَقَعَ بِهَا الْإِبَاحَةُ كَذَكَاةِ الْمَجُوسِيِّ؛ لِأَنَّهَا ذكاةٌ لَا تُبِيحُ الْمُذَكَّى بِوَجْهٍ، فَوَجَبَ أَلَّا تُبِيحَ غَيْرَ الْمُذَكَّى بِكُلِّ وجهٍ قِيَاسًا عَلَى ذَكَاةِ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلِأَنَّهُ صَيْدٌ مَضْمُونٌ بِالْجَزَاءِ فَوَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ أَكْلُهُ قِيَاسًا عَلَى قَاتِلِهِ.
فَإِذَا تَقَرَّرَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ فَلَا جَزَاءَ عَلَى أَكْلِهِ سواءٌ قُلْنَا بِتَحْلِيلِهِ أو بتحريمه وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَقْتُلَ الْمُحِلُّ صَيْدًا فَيَجُوزُ لَهُ وَلِكُلِّ مُحِلٍّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، فَأَمَّا الْمُحْرِمُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مِنْهُ معونةٌ فِي قَتْلِهِ وَلَا قَتَلَهُ الْحَلَالُ مِنْ أَجْلِهِ فَهُوَ حلالٌ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ هَذَا الْمُحْرِمِ معونةٌ فِي قَتْلِهِ إِمَّا بَدَلًا لَهُ أَوْ آلَةً أَوْ قَتَلَهُ الْحَلَالُ مِنْ أَجْلِهِ إِمَّا عَنْ إِذْنِهِ أَوْ غَيْرِ إِذْنِهِ فَهُوَ حرامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ.
قَالَ بَعْضُ النَّاسِ؛ هُوَ حرامٌ عَلَى الْمُحْرِمِ بِكُلِّ حالٍ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ (رَضِيَ اللَّهُ عنه) :، وَقَالَ أبو حنيفة: هُوَ حلالٌ لِلْمُحْرِمِ، وَإِنْ صِيدَ مِنْ أَجْلِهِ أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ لَا يَصِلُ إِلَى قَتْلِهِ إِلَّا بِمَعُونَتِهِ مِثْلَ أَنْ يَدُلَّ الْقَاتِلَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute