للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّهُ يَكُونُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا سَوَاءٌ قُلْنَا إِنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ أَوْ عِتْقٌ بِصِفَةٍ.

فَعَلَى هَذَا الْفَرْقُ بَيْنَ الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ: أَنَّ الْهِبَةَ تُزِيلُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ وَهِيَ أَحَدُ مُوَجِبَيْ زَوَالِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَالرَّهْنُ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ وَلَا هُوَ أَحَدُ مُوَجِبَيْ مَا يُزِيلُ الْمِلْكَ فَلِذَلِكَ كَانَتِ الْهِبَةُ رُجُوعًا وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا بِخِلَافِ الرَّهْنِ.

فَأَمَّا مَا اخْتَارَهُ مِنْ أَنَّ الرَّهْنَ مُبْطِلٌ لِلتَّدْبِيرِ كَمَا كَانَ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنْ يُقَالَ:

أَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ بِصِفَةٍ فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ رُجُوعًا عَنِ التَّدْبِيرِ لَا يُخْتَلَفُ فِيهِ وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي عَقْدِ الرَّهْنِ إِذَا تَجَدَّدَ هَلْ يُبْطِلُ التَّدْبِيرَ وَالْوَصِيَّةَ أَمْ لَا. عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ يُبْطِلُ التَّدْبِيرَ وَالْوَصِيَّةَ جَمِيعًا لِأَنَّهُمَا يَبْطُلَانِ بِالْقَوْلِ مَعَ بَقَاءِ الْمِلْكِ، وَالرَّهْنُ كَالْقَوْلِ فِي الرُّجُوعِ. فَعَلَى هَذَا قَدْ صَحَّ لِلْمُزَنِيِّ الْمَذْهَبُ وَسَلِمَ لَهُ الدَّلِيلُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَا يُبْطِلُ التَّدْبِيرَ وَلَا الْوَصِيَّةَ جَمِيعًا لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الرُّجُوعِ وَلَا فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرجوع. وإنما صارت رقبته وَثِيقَةً بِحَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ رُجُوعًا كَمَا لَمْ تَكُنْ جِنَايَةُ الْعَبْدِ رُجُوعًا. فَعَلَى هَذَا لَمْ يَصِحَّ لِلْمُزَنِيِّ الْمَذْهَبُ وَلَا سَلِمَ لَهُ الدَّلِيلُ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الرَّهْنَ يَكُونُ رُجُوعًا فِي الْوَصِيَّةِ وَلَا يَكُونُ رُجُوعًا فِي التَّدْبِيرِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ التَّدْبِيرَ أَقْوَى مِنَ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ جَرَى مَجْرَى الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ عَطِيَّةٌ تَقَعُ بِالْمَوْتِ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ فَقَوِيَ حُكْمُهَا وَلَمْ تَبْطُلْ بِالرَّهْنِ وَالْوَصِيَّةُ لَا تُمَلَكُ إِلَّا بِالْقَبُولِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَكَانَتْ أَضْعَفَ مِنَ التَّدْبِيرِ فَبَطَلَتْ بِالرَّهْنِ. فَعَلَى هَذَا قَدْ صَحَّ لِلْمُزَنِيِّ الْمَذْهَبُ وَلَمْ يسلم له الدليل.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهُ إِنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حر ثم رهنه كان هكذا (قال المزني) قلت أنا وقد (قال الشافعي) إن التدبير وصية فلو أوصى به ثم رهنه أما كان جائزا؟ فكذلك التدبير في أصل قوله وقد قال في الكتاب الجديد آخر ما سمعناه منه ولو قال في المدبر إِنْ أَدَّى بَعْدَ مَوْتِي كَذَا فَهُوَ حُرٌّ أَوْ وَهَبَهُ هِبَةَ بَتَاتٍ قُبِضَ أَوْ لَمْ يقبض ورجع فهذا رجوع في التدبير هذا نص قوله (قال المزني) قلت أنا فقد أبطل تدبيره بغير إخراج له من ملكه كما لو أوصى برقبته وإذا رهنه فد أوجب للمرتهن حقا فيه فهو أولى برقبته منه وليس

<<  <  ج: ص:  >  >>