للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَضَى عَلَى رَجُلٍ رَمَى رَجُلًا بِخِنْجَرٍ فِي رَأْسِهِ فَأَذْهَبَ عَقْلَهُ وَسَمْعَهُ وَلِسَانَهُ وَذَكَرَهُ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ، وَلِأَنَّ مَا اخْتُلِفَ مَحَلُّهُ لَا يَتَدَاخَلُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ كَالْأَطْرَافِ، وَلِأَنَّ الْعَقْلَ عَرَضٌ يَخْتَصُّ بِمَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَلَمْ يَتَدَاخَلْ فِيهِ أَرْشُ الجنايات كالسمع والبصر.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ لِرِوَايَةِ عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " فِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ " وَلِأَنَّهُمَا مِنْ أَعْظَمِ الجوارح نفعاً وأجل الجوار قَدْرًا، فَكَانَا بِإِيجَابِ الدِّيَةِ أَحَقَّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرَةُ وَالْكَبِيرَةُ، وَالْحَادَّةُ وَالْكَلِيلَةُ، وَالصَّحِيحَةُ وَالْعَلِيلَةُ، وَالْعَمْشَاءُ وَالْعَشْوَاءُ، وَالْحَوْلَاءُ، إِذَا كَانَ الْبَاطِنُ سَلِيمًا، كَمَا لَا تَخْتَلِفُ دِيَاتُ الْأَطْرَافِ مَعَ اخْتِلَافِ أَوْصَافِهِمَا، وَفِي إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ، لِرِوَايَةِ عمرو بن حزم أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فِي كِتَابِهِ إِلَى أَهْلِ الْيَمَنِ " وَفِي الْعَيْنَيْنِ خَمْسُونَ مِنَ الْإِبِلِ " قَالَ الشَّافِعِيُّ: " أَرَادَ الْعَيْنَ الْوَاحِدَةَ ".

وَرَوَى مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَفِي إِحْدَى الْعَيْنَيْنِ نِصْفُ الدِّيَةِ " وَلِأَنَّ كُلَّ دِيَةٍ وَجَبَتْ فِي عُضْوَيْنِ وَجَبَ نِصْفُهَا فِي أَحَدِ الْعُضْوَيْنِ كَالْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، وَلَا فَضْلَ لِيُمْنَى عَلَى يُسْرَى، وَلَا لِصَحِيحَةٍ عَلَى مَرِيضَةٍ.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَفِي ذَهَابِ بَصَرِهِمَا الدِّيَةُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا جَنَى عَلَى عَيْنَيْهِ فَأَذْهَبَ بَصَرَهُمَا مَعَ بَقَاءِ الْحَدَقَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ، لِرِوَايَةِ مُعَاذٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " وَفِي الْبَصَرِ الدِّيَةُ " وَلِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْعَيْنِ بِنَاظِرِهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:

(وَمَا انْتِفَاعُ أَخِي الدنيا بمقلته ... إِذَا اسْتَوَتْ عِنْدَهُ الْأَنْوَارُ وَالظُّلَمُ)

وَإِذَا سَلَبَهَا مَنْفَعَتَهَا كَمُلَتْ عَلَيْهِ دِيَتُهَا كَالشَّلَلِ فِي الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ، فَإِنْ عَادَ بَعْدَ ذَهَابِ الْبَصَرِ فَقَلَعَ الْعَيْنَ فَعَلَيْهِ حُكُومَةٌ، كَمَا لَوْ أَشَلَّ يَدَهُ فَغَرِمَ دِيَتَهَا ثُمَّ عَادَ بَعْدَ الشَّلَلِ فَقَطَعَهَا لَزِمَهُ حُكُومَتُهَا، وَلَوْ قَطَعَهَا ابْتِدَاءً لَمْ تَلْزَمْهُ إِلَّا دِيَتُهَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْفَرْقَ بَيْنَ قَطْعِ الأذنين فيذهب بما السَّمْعُ فَتَلْزَمُهُ دِيَتَانِ، وَبَيْنَ قَلْعِ الْعَيْنَيْنِ فَيَذْهَبُ بِهِمَا الْبَصَرُ فَيَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ بِأَنَّ مَحَلَّ السَّمْعِ فِي غَيْرِ الْأُذُنَيْنِ فَلَمْ تَسْقُطْ إِحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى، وَمَحَلَّ الْبَصَرِ فِي الْعَيْنِ، وَيَلْحَقُ بِالْأُذُنَيْنِ ذهاب الشم بجذع الْأَنْفِ فَتَلْزَمُهُ دِيَتَانِ، وَيَلْحَقُ بِالْعَيْنِ ذَهَابُ الْكَلَامِ بِقَطْعِ اللِّسَانِ فَتَلْزَمُهُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ الدِّيَةَ نُظِرَ: فَإِنْ مُحِقَ ذَهَابُ الْبَصَرِ كَانَ الْمَحْقُ مِنْ شَوَاهِدِ ذَهَابِهِ الَّذِي يَقْطَعُ التَّنَازُعَ فِيهِ، كَمَا لو استأصل عينه ففقأها، وهو ما

<<  <  ج: ص:  >  >>