للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا فِيمَا اخْتَلَفَا فِيهِ مِنْ تَخْفِيفٍ وَتَغْلِيظٍ عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي أَصْلِهِ الْمَرْدُودِ إِلَيْهِ مِنْ طَهَارَةِ غَيْرِ الْمُسْتَحَاضَةِ أَنَّهَا طَهَارَةٌ يُصَلَّى بِهَا الْفُرُوضُ الْمُؤَدَّاةُ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَلَا يَصِحُّ، لِأَنَّ الْمَسْحَ طَهَارَةُ رَفَاهِيَةٍ، وَطَهَارَةُ الْمُسْتَحَاضَةِ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ، ثُمَّ المعنى في المسح أنها لَمَّا جَازَ أَنْ يُؤَدّي بِهِ فَرْضَيْنِ فِي وقتين جاز في وقت، وها هنا بِخِلَافِهِ، وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ قَدَّمْنَا مِنَ الدَّلِيلِ عَلَى الْأَصْلِ الَّذِي رَدَّهُ إِلَيْهِ مَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ فَعَلَيْهَا طَهَارَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: طَهَارَةُ فَرْجِهَا مِنْ دَمِ الِاسْتِحَاضَةِ.

وَالثَّانِي: الْوُضُوءُ مِنَ الْحَدَثِ. فَأَمَّا طَهَارَةُ فَرْجِهَا فَهِيَ مُتَقَدِّمَةٌ عَلَى الْوُضُوءِ كَتَقَدُّمِ الِاسْتِحَاضَةِ وَصِفَتُهُ أَنْ تَغْسِلَ فَرْجَهَا بِالْمَاءِ، حَتَّى تُنَقِّيَهُ مِنَ الدَّمِ، ثُمَّ تَحْشُوهُ بِالْقُطْنِ، فَإِنْ كَانَ الدَّمُ يَحْتَبِسُ مِنْ غَيْرِ شِدَادٍ لِضَعْفِهِ اقْتَصَرَتْ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ الدَّمُ لَا يَحْتَبِسُ بِالْقُطْنِ وَحْدَهُ لِقُوَّتِهِ شَدَّتْهُ بِخِرْقَةٍ تَتَلَجَّمُ بِهَا مُسْتَثْفِرَةً مِنْ وَرَائِهَا، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَكَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من حديث أم سلمة ثم لتستثفر بثوت، وَصُورَةُ الِاسْتِثْفَارِ أَنْ تَشُدَّ فِي وَسَطِهَا حَبْلًا، ثم تأخذ خرقة عرضة مَشْقُوقَةَ الطَّرَفَيْنِ فَتَشُدَّ أَحَدَ طَرَفَيْهَا فِي الْحَبْلِ من مقدمها، وعند سرتها ثم تحدر الحرقة عَلَى فَرْجِهَا، وَبَيْنَ الْإِلْيَتَيْنِ وَتَعْقِدُ طَرَفَهَا الْآخَرَ مِنْ وَرَائِهَا فِي الْحَبْلِ الْمُسْتَدِيرِ فِي وَسَطِهَا كَثَفَرِ الدَّابَّةِ وَسُمِّي اسْتِثْفَارًا مِنْ قَوْلِهِمْ ثَفَّرَ الْكَلْبُ، وَاسْتَثْفَرَ إِذَا جَلَسَ عَاطِفًا بِذَنَبِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَبَيْنَ فَخِذَيْهِ حَتَّى يَخْرُجَ إِلَى بَطْنِهِ فَإِنْ كَانَ الدَّمُ زَائِدًا تَخَافُ أَنْ يَظْهَرَ مِنَ الْخِرْقَةِ جَعَلَتْ مَكَانَ الْخِرْقَةِ جِلْدًا أَوْ لِبْدًا فَهَذِهِ صِفَةُ تَطْهِيرِهَا لِفَرْجِهَا.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا طَهَارَتُهَا مِنْ حَدَثِهَا فَتَحْتَاجُ إِلَى شَرْطَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عُقَيْبَ طَهَارَةِ الْفَرْجِ وَشَدِّهِ مِنْ غَيْرِ تَرَاخٍ، وَلَا بُعْدٍ فَإِنْ تَوَضَّأَتْ بَعْدَ تَطَاوُلِ الزَّمَانِ مِنْ غَسْلِ الْفَرْجِ وَشِدَادِهِ صَارَتْ مُتَطَهِّرَةً طَهَارَةَ ضَرُورَةٍ مَعَ كَوْنِهَا حَامِلَةً لِلنَّجَاسَةِ، فَتَكُونُ كَالْعَادِمِ لِلْمَاءِ إِذَا تَيَمَّمَ، وَعَلَى بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ يَقْدِرُ عَلَى غَسْلِهَا فَتَكُونُ عَلَى مَا مَضَى مِنَ الْوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ وُضُوءَهَا بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَتَسْتَأْنِفُ غَسْلَ الْفَرْجِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ، وَيُعْتَبَرُ حَالُ النَّجَاسَةِ، فَإِنْ ظَهَرَتْ إِلَى مَكَانٍ يَلْزَمُ تَطْهِيرُهُ، وَأَمْكَنَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ حَدَثٍ فَوُضُوؤُهَا عَلَى صِحَّتِهِ.

(فَصْلٌ)

: وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ وُضُوؤُهَا بَعْدَ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الَّتِي تُرِيدُ أَنْ تَتَوَضَّأَ لَهَا فَإِنْ تَوَضَّأَتْ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ كَانَ وُضُوؤُهَا بَاطِلًا كَالْمُتَيَمِّمِ قَبْلَ الْوَقْتِ وَأَجَازَ أبو حنيفة

<<  <  ج: ص:  >  >>