أَوْ رَهَنَ شَاةً حَامِلًا، هَلْ يَكُونُ الْحَمْلُ إِذَا وَضَعَتْهُ رَهْنًا مَعَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. أَوْ رَهَنَ شَاةً فِي ضَرْعِهَا لَبَنٌ هَلْ يَكُونُ اللَّبَنُ إِذَا حُلِبَ مِنْهَا رَهْنًا مَعَهَا أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ. فَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْجَدِيدِ إِنَّ الْحَمْلَ وَالصُّوفَ وَاللَّبَنَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الرَّهْنِ كَالثَّمَرَةِ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْقَدِيمِ. أَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ. فَعَلَى هَذَا اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي هَذَا الْقَوْلِ هَلْ يَصِحُّ تَخْرِيجُهُ فِي الثَّمَرَةِ غَيْرِ الْمُؤَبَّرَةِ حَتَّى تَكُونَ دَاخِلَةً فِي الرَّهْنِ أَمْ لَا؟ فَكَانَ أَبُو عَلِيِّ بْنُ خَيْرَانَ يُخَرِّجُ فِيهَا قَوْلًا ثَانِيًا مِنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي الرَّهْنِ فَيُخْرِجُ الثَّمَرَةَ غَيْرَ الْمُؤَبَّرَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا خَارِجَةٌ مِنَ الرَّهْنِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِيهِ كَالصُّوفِ وَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَبِهِ قَالَ طَائِفَةٌ مِنَ الْبَغْدَادِيِّينَ وَكَانَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ يَمْنَعَانِ مِنْ تَخْرِيجِ الثَّمَرَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ كَالصُّوفِ وَالْحَمْلِ وَاللَّبَنِ وَبِهِ قَالَ كَافَّةُ الْبَصْرِيِّينَ. وَتَعْلِيلُ الشَّافِعِيِّ فِي الثَّمَرَةِ دليل على الفرق بينهما لأنه علل للثمرة فِي خُرُوجِهَا مِنَ الرَّهْنِ بِأَنْ قَالَ:
لِأَنَّهَا عَيْنٌ تُرَى وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْحَمْلُ وَاللَّبَنُ. فَأَمَّا الصُّوفُ وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الشَّاةِ وَأَبْعَاضِهَا فَجَرَى مَجْرَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا فِي دُخُولِهِ فِي الرَّهْنِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الثَّمَرَةَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّخْلَةِ، وَلَا بَعْضًا مِنْهَا فَلَمْ تَكُنْ دَاخِلَةً فِي الرَّهْنِ مَعَهَا كَالْمُؤَبَّرَةِ.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَا هَلَكَ فِي يَدَيِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ رَهْنٍ صَحِيحٍ وَفَاسِدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
صَحِيحُ الرَّهْنِ وَفَاسِدُهُ عِنْدَنَا غَيْرُ مَضْمُونٍ وَأَوْجَبَ أبو حنيفة ضَمَانَ صَحِيحِهِ دُونَ فَاسِدِهِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْأُصُولِ لِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ عَلَى أَنَّ فَاسِدَ كُلِّ عَقْدٍ فِي حُكْمِ صَحِيحِهِ فِي وُجُوبِ ضَمَانِهِ أَوْ فِي سُقُوطِهِ. أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ كَالصَّحِيحِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ وَالشِّرْكِ وَالْمُضَارَبَاتُ الْفَاسِدَةُ كَالصَّحِيحَةِ فِي سُقُوطِ الضَّمَانِ فَكَذَلِكَ الرَّهْنُ.
وَتَحْرِيرُهُ: أَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ صَحِيحُهُ غَيْرَ مَضْمُونٍ كَالْوَدَائِعِ وَالْمُضَارَبَاتِ وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَهُ فِي سُقُوطِ ضَمَانِهِ فِي بَابٍ يُسْتَوْفَى فِيهِ إن شاء الله.