للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالدَّلَالَةُ عَلَيْهَا مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَضَى أَنَّ الْخَرَاجَ بِالضَّمَانِ، وَالْخَرَاجُ اسْمٌ لِمَا خَرَجَ مِنَ الشَّيْءِ مِنْ عَيْنٍ وَمَنْفَعَةٍ وَهَذَا الْقَوْلُ مَعَ بَقَاءِ الشَّيْءِ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِهِ مَعَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَلِأَنَّهَا فَائِدَةٌ حَدَثَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَوَجَبَ أَنْ لَا يُمْنَعَ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ قِيَاسًا عَلَى كَسْبِ الْعَبْدِ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِ الرَّدِّ وَلَيْسَ رَفْعٌ لَهُ مِنَ الْأَصْلِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْفَسْخَ قَدْ يَكُونُ بِالْإِقَالَةِ كَمَا يَكُونُ بِالْعَيْبِ، ثُمَّ كَانَ الْفَسْخُ بِالْإِقَالَةِ قَطْعًا لِلْمِلْكِ وَلَمْ يَكُنْ رَفْعًا لَهُ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ بِالْعَيْبِ مِثْلَهُ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ لَوْ كَانَ رَفْعًا لِلْعَقْدِ مِنْ أَصْلِهِ لَأَبْطَلَ حَقَّ الشَّفِيعِ فَلَمَّا لَمْ يُبْطِلْ حَقَّ الشَّفِيعِ بِالْفَسْخِ بِالْعَيْبِ، دَلَّ عَلَى أَنَّ الْفَسْخَ بِالْعَيْبِ قَطْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ حِينِ الرَّدِّ وَلَيْسَ بِرَافِعٍ مِنَ الْأَصْلِ، فَإِذَا ثَبَتَ بِهَذَيْنِ أَنَّ الْفَسْخَ لَا يَرْفَعُ الْعَقْدَ مِنْ أَصْلِهِ ثَبَتَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ النَّمَاءَ الْحَادِثَ فِي مِلْكِهِ وَلَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ مِنْ فَسْخِ عَقْدِهِ كَالْإِقَالَةِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إِنَّ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ رَافِعٌ لِلْعَقْدِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشُّفْعَةَ لَا تَجِبُ فِيهِ فَهُوَ أَنَّهُ فَاسِدٌ بِالْإِقَالَةِ وَلَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَلَيْسَ بِرَافِعٍ لِلْعَقْدِ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الْكِبَرِ وَالسِّمَنِ فَيَغْلِبُ عَلَيْهِ، فَنَقُولُ: لِأَنَّهُ نَمَاءٌ مِنْ نَفْسِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الرد بالعيب كالطول والسمن ثم يقال المعنى فِي الطُّولِ وَالسِّمَنِ اتِّصَالُهُ وَفِي النَّتَاجِ انْفِصَالُهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ إِنَّ انْفِصَالَ الْوَلَدِ كَانْفِصَالِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ فَالْمَعْنَى فِي انْفِصَالِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ أَنَّهَا عَيْبٌ يُوكِسُ الثَّمَنَ فَمُنِعَتْ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَانْفِصَالُ الْوَلَدِ لَيْسَ بِعَيْبٍ يُوكِسُ الثَّمَنَ فَلَمْ يُمْنَعْ مِنَ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ.

وَأَمَّا مَالِكٌ فِي اسْتِدْلَالِهِ بِأَنَّ النَّتَاجَ مِنْ أَجْزَاءِ أَصْلِهِ بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ فَعَكْسُهُ لَازَمٌ لِأَنَّ النَّتَاجَ مُنْفَصِلٌ وَالثَّمَرَةَ مُتَّصِلَةٌ، فَلَوْ جَازَ رَدُّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ لَكَانَ رَدُّ الْمُتَّصِلِ مِنَ الثِّمَارِ أَوْلَى مِنْ رَدِّ الْمُنْفَصِلِ مِنَ النَّتَاجِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ تَعْلِيلِهِ وَوَهَاءِ أَصْلِهِ.

فَصْلٌ:

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ جَمِيعَ مَا حَدَثَ بِيَدِ الْمُشْتَرِي مِنَ النَّمَاءِ الْمُنْفَصِلِ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ، وَكَانَ قَدِ اشْتَرَى شَاةً حَامِلًا فَوَضَعَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ وَجَدَ بِهَا عَيْبًا أَرَادَ رَدَّهَا بِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْوِلَادَةُ قَدْ نَقَصَتْهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ الرَّدُّ وَرَجَعَ بِالْأَرْشِ وَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهَا الْوِلَادَةُ رَدَّهَا بِالْعَيْبِ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ يَأْخُذُ قِسْطًا مِنَ الثَّمَنِ رَدَّهُ مَعَهَا لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ كَانَ تَنَاوَلَهُمَا وَإِنْ قِيلَ إِنَّ الْحَمْلَ بَيْعٌ فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَلْزَمُهُ رَدُّهُ مَعَهَا لِأَنَّهُ بَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا يَكُونُ تَبَعًا، وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَرُدُّهُ مَعَ الْأُمِّ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَتِهَا حِينَ كَانَ الْعَقْدُ عَلَيْهَا، أَلَّا تَرَى لَوْ كَانَ عَلَيْهَا صُوفٌ حِينَ اشْتَرَاهَا فَجَزَّهُ ثُمَّ رَدَّهَا بِعَيْبٍ كَانَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا جَزَّ مِنْ صُوفِهَا، فَلَوْ كَانَ قَدِ اشْتَرَى

<<  <  ج: ص:  >  >>