وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَرْجُوَ فِي ثَمَنِهِ فَضْلًا وَيَأْمُلَ رِبْحًا فَلَهُ بَيْعُهُ وَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَهُ لِيَصِلَ بِالْبَيْعِ إِلَى حَقِّهِ مِنَ الرِّبْحِ.
فَلَوْ بَذَلَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ حِصَّتَهُ مِنْ رِبْحِهِ وَمَنَعَهُ مِنْ بَيْعِهِ فَفِي بَيْعِهِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْنِ فِي سَيِّدِ الْعَبْدِ الْجَانِي إِذَا مَنَعَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِهِ، وَبَذَلَ لَهُ قَدْرَ قِيمَتِهِ:
أَحَدُهُمَا: يُمْنَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ لِوُصُولِهِ إِلَى قِيمَتِهِ، وَيُمْنَعَ الْعَامِلُ مِنْ بَيْعِ الْعَرْضِ لِوُصُولِهِ إِلَى رِبْحِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَا يُمْنَعُ مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ إِلَّا بِبَذْلِ جَمِيعِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجُو الْوُصُولَ إِلَيْهَا بِالْبَيْعِ إِنْ حَدَثَ لَهُ رَاغِبٌ، وَلَا يُمْنَعُ الْعَامِلُ مِنْ بَيْعِ الْعَرْضِ لِأَنَّهُ قَدْ يَرْجُو زِيَادَةً على القيمة لحدوث راغب.
والحال الرابع: أَنْ يَدْعُوَ رَبُّ الْمَالِ إِلَى بَيْعِهِ وَيَمْتَنِعَ الْعَامِلُ مِنْهُ.
فَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ لِغَيْرِ تَرْكٍ لحقه منه أجبر على بيعه لتنقطع عليه فِيهِ وَيَتَصَرَّفَ رَبُّ الْمَالِ فِي ثَمَنِهِ.
وَإِنْ كَانَ امْتِنَاعُهُ تَرْكًا لَحَقِّهِ مِنْهُ فَفِي إِجْبَارِهِ عَلَى بَيْعِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْبِرُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَالشِّرَاءَ إِنَّمَا يَلْزَمُ فِي حَقَّيْهِمَا، وَبِبُطْلَانِ الْقِرَاضِ قَدْ سَقَطَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ حَقًّا لَهُمَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ لِأَنَّ رَدَّ رَأْسِ الْمَالِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ الْعَرْضُ رَأْسَ الْمَالِ وَإِنَّمَا هُوَ بَدَلٌ عنه.
[مسألة]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ صَارَ لِوَارِثِهِ فَإِنْ رَضِيَ تُرِكَ الْمُقَارِضُ عَلَى قِرَاضِهِ وَإِلَّا فَقَدِ انْفَسَخَ قِرَاضُهُ وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ لَمْ يَكُنْ لِوَارِثِهِ أَنْ يَعْمَلَ مَكَانَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، عَقْدُ الْقِرَاضِ يَبْطُلُ بِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ رَبِّ الْمَالِ أَوِ الْعَامِلِ، لِأَنَّ الْعُقُودَ الْجَائِزَةَ دُونَ اللَّازِمَةِ تَبْطُلُ بِمَوْتِ عَاقِدِهَا وَهُمَا فِي الْعَقْدِ سَوَاءٌ لِأَنَّهُ تَمَّ بِهِمَا، وَهُوَ غَيْرُ لَازِمٍ.
فَإِنْ بَطَلَ بِمَوْتِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَيِّتُ هُوَ رَبُّ الْمَالِ أَوِ الْعَامِلَ فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ مِنْهُمَا هُوَ رَبُّ الْمَالِ لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ نَاضًّا أَوْ عَرْضًا:
فَإِنْ كَانَ نَاضًّا مُنِعَ الْعَامِلُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ، ثُمَّ لِوَرَثَةِ رَبِّ الْمَالِ أَنْ يَسْتَرْجِعُوا رَأْسَ الْمَالِ، وَيُقَاسِمُوا الْعَامِلَ عَلَى رِبْحٍ إِنْ كَانَ.