للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِأَنَّهُ قَضَاءٌ عَلَى غَائِبٍ فَهُوَ أَنَّهَا دَعْوَى مَدْفُوعَةٌ، لِأَنَّ الْوَكَالَةَ حَقٌّ لِلْمُوَكِّلِ وَعَلَيْهِ وَلَيْسَ لِلْخَصْمِ فِيهَا حَقٌّ، وَلَا عَلَيْهِ فِيهَا حَقٌّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهُ بِحُضُورِ الْوَكَالَةِ حَقٌّ، وَلَا يَثْبُتُ عَلَيْهِ حَقٌّ. وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ الْخَصْمُ مِنَ الْوَكَالَةِ بِسَبِيلٍ.

فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَقَدْ يُقْضَى لِلْخَصْمِ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَيَكُونُ حَقًّا ثَبَتَ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ الْخَصْمَ لَوِ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ مِنَ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ عِنْدَ مُطَالَبَةِ الْوَكِيلِ لَهُ بِالتَّوْكِيلِ سُمِعَتْ بَيِّنَةُ الْخَصْمِ بِالْبَرَاءَةِ إِلَى الْمُوَكِّلِ مِنْ حَقِّهِ وَلَوْلَا الْوَكَالَةُ الَّتِي اسْتَحَقَّ الْوَكِيلُ بِهَا الْمُطَالَبَةَ لَمَا أَمْكَنَ الْخَصْمَ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ بِالْبَرَاءَةِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْوَكَالَةَ فِي الْخُصُومَةِ يَصِحُّ ثُبُوتُهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ وَغَائِبٍ ومن موكل حاضر وغائب فَلَا يَخْلُو حَالُ الْمُوَكِّلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا مَعَ وَكِيلِهِ عِنْدَ الدَّعْوَى وَالْمُطَالَبَةِ أَمْ لَا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْمَعَ الدَّعْوَى مِنْ وَكِيلِهِ عَلَى الْخَصْمِ مَعَ حُضُورِهِ، وَهَذَا قَوْلُ أبي يوسف ومحمد بن الحسن.

وَقَالَ أبو حنيفة: لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي مَعَ حُضُورِ الْمُوَكِّلِ أَنْ يَسْمَعَ دَعْوَى الْوَكِيلِ وَمُخَاصَمَتَهُ وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْوَكَالَةِ أنها معونة العاجز وصيانة المهيب، فَاسْتَوَى حَالُهُ مَعَ حُضُورِهِ وَمَغِيبِهِ، وَلِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدْ بَيَّنَ فِي الْوَكَالَةِ أنها تقارب هذا المعنى فقال: إن الخصومات تحمل وَإِنَّهَا لَتَخْلُفُ. وَإِذَا صَحَّ سَمَاعُ الدَّعْوَى مِنْ وَكِيلِهِ مَعَ حُضُورِهِ فَسَوَاءٌ عَرَّفَهُ الْقَاضِي بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَمْ لَا. وَإِنْ كَانَ الْمُوَكِّلُ غَائِبًا عَنِ الدَّعْوَى، فَلَا يَخْلُو ثُبُوتُ الْوَكَالَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ أَنْ يَكُونَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِإِقْرَارٍ. فَإِنْ كَانَ ثُبُوتُهَا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى الْمُوَكِّلِ بِهَا لَمْ يُحْكَمْ بِشَهَادَتِهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا بِمَعْرِفَتِهِ عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ. فَحِينَئِذٍ يُحْكَمُ بِصِحَّةِ وَكَالَتِهِ. وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُهَا بِإِقْرَارِ الْمُوَكِّلِ بِهَا فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي يَعْرِفُهُ بِعَيْنِهِ وَاسْمِهِ وَنَسَبِهِ صَحَّتِ الْوَكَالَةُ مِنْهُ وَثَبَتَتْ بِإِقْرَارِهِ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُهُ لَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ مِنْهُ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ لِئَلَّا يَدَّعِيَ نَسَبَ غَيْرِهِ.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا ادَّعَى رَجُلٌ عِنْدَ حاكم دعوى على رجل فالمدعى عليه بالخيارين أَنْ يَحْضُرَ مَعَهُ مَجْلِسَ الْحُكْمِ وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهِ وَكِيلًا يَحْضُرُ مَعَ الْمُدَّعِي فَيَقُومُ حُضُورُ وَكِيلِهِ مَقَامَ حُضُورِهِ، كَمَا كَانَ المدعي بالخيارين أَنْ يَدَّعِي بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُوَكِّلَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ فِي الدَّعْوَى فَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً وَجَبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إِمَّا بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِنَابَةِ وَكِيلِهِ فَإِنْ لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً وَسَأَلَ إِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ حُضُورُ مَجْلِسِ الْحُكْمِ لِلْيَمِينِ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>