للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهِ، وَاتِّبَاعُهُ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلَ، وَقَدْ فَعَلَ السُّجُودَ، فَوَجَبَ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيهِ، فَيَأْتِيَ بِهِ، وَلِأَنَّ فِي اتِّبَاعِ الْإِمَامِ مُوَالَاةً بَيْنِ رُكُوعَيْنِ، وَإِيقَاعَ زِيَادَةٍ فِي الصَّلَاةِ لَا يُعْتَدُّ بِهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَتْبَعَهُ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا اشْتَغَلَ بِقَضَاءِ مَا عَلَيْهِ فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى فَرْضٍ، وَهُوَ مِنَ الرُّكُوعِ إِلَى السُّجُودِ، وَإِذَا اشْتَغَلَ بِاتِّبَاعِ الْإِمَامِ فَقَدِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضٍ إِلَى مَا لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَلَا نَفْلٍ، وَهُوَ الرُّكُوعُ الثَّانِي.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ: إِنَّهُ يَتْبَعُ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِالسُّجُودِ وَوَجْهُ هَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " ولا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ " فَمَنَعَ مِنْ مُخَالَفَتِهِ فِي أَفْعَالِهِ الظَّاهِرَةِ، وَفِي اشْتِغَالِهِ بِالسُّجُودِ مُخَالَفَةٌ فِي أَفْعَالِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ، وَلِأَنَّ تَرْتِيبَ الصَّلَاةِ قَدْ سَقَطَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ، أَلَا تَرَاهُ لَوْ أَدْرَكَهُ سَاجِدًا أَوْ مُتَشَهِّدًا أَحْرَمَ وَتَبِعَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ فَرْضِهِ عَقِبَ الْإِحْرَامِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَفْعَلَهُ لَوْ كَانَ مُنْفَرِدًا، فَكَذَا أَيْضًا يَلْزَمُهُ اتِّبَاعُهُ فِي الرُّكُوعِ وَإِنْ فَاتَهُ السُّجُودُ، وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنِ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ لَهَا عَنِ السُّجُودِ وَسَهَا حَتَّى رَكَعَ الْإِمَامُ أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَهُ فِيهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ بِالسُّجُودِ، فَكَذَلِكَ لَوْ أَدْرَكَهُ بِزِحَامٍ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا، مَعَ كَوْنِهِ مَعْذُورًا فِيهِمَا.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا قُلْنَا: عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا فَاتَهُ مِنَ السُّجُودِ فَسَجَدَ نُظِرَ فِي حَالِهِ: فَإِنَّ سَجَدَ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ: فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ، وَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ ثَانِيَةٍ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ. وَإِنْ سَجَدَ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ أَوْ شَكَّ: لَمْ يَكُنْ مُدْرِكًا لِلْجُمْعَةِ، وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا.

وَإِذَا قُلْنَا عَلَيْهِ أَنْ يَتْبَعَ الْإِمَامَ في الركوع فتبع وَرَكَعَ مَعَهُ وَسَجَدَ: فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ، وَهَلْ هِيَ الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا أَمِ الْأَوْلَى مَجْبُورَةٌ بِسُجُودِ الثَّانِيَةِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ هَا هُنَا إِنَّهَا الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا دُونَ الْأُولَى، لِتَكُونَ الرَّكْعَةُ مُرَتَّبَةً لَا يَتَخَلَّلُهَا رُكُوعٌ مقصود ولا يعتد بِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ نَصِّهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إِنَّهَا الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِسُجُودِ الثَّانِيَةِ، لِأَنَّ مَا فَعَلَهُ فِي الْأَوْلَى قَدْ كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ قَبْلَ زِحَامِهِ، وَلِأَنَّهُ قَدْ أَتَى فِي الْأَوْلَى بِقِيَامٍ وَقِرَاءَةٍ لَمْ يَأْتِ بِهِمَا فِي الثَّانِيَةِ، فَكَانَتِ الْأُولَى أَوْلَى فِي الِاعْتِدَادِ بِهَا مِنَ الثَّانِيَةِ.

فَإِذَا قِيلَ بِالْوَجْهِ الْأَوَّلِ: إِنَّهَا الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ بِكَمَالِهَا، فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُ رَكْعَةٌ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ، فَيَأْتِي بِرَكْعَةٍ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ.

وَإِذَا قِيلَ إِنَّهَا الْأُولَى مَجْبُورَةٌ بِسُجُودِ الثَّانِيَةِ فَهَلْ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ يُدْرِكُ بِهَا الْجُمْعَةَ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة "

<<  <  ج: ص:  >  >>