للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[(كتاب النفقات)]

[(مسألة)]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى " قَالَ اللَّهُ عز وجل: (ذلك أدنى أن لا تَعُولُوا} [النساء: ٣] أَيْ لَا يَكْثُرَ مَنْ تَعُولُونَ (قَالَ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ فَأُحِبُّ أَنْ يَقْتَصِرَ الرَجُلُ عَلَى وَاحِدَةٍ وَإِنْ أُبِيحَ لَهُ أَكْثَرُ وَجَاءَتْ هِنْدٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَإِنَّهُ لَا يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي إِلَّا مَا أَخَذْتُ مِنْهُ سِرًّا وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَهَلْ عَلَيَّ فِي ذَلِكَ مِنْ جناح. فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال يا رسول الله عندي دينار فقال " أَنْفِقْهُ عَلَى نَفْسِكَ " قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ " أَنْفِقْهُ عَلَى وَلَدِكَ " قَالَ عِنْدِي آخَرُ فَقَالَ " أَنْفِقْهُ عَلَى أَهْلِكَ " قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ " أَنْفِقْهُ عَلَى خَادِمِكَ " قَالَ عِنْدِي آخَرُ قَالَ " أنت أعلم " قال سعيد المقبري ثم يقول أبو هريرة إذا حدث بهذا الحديث يَقُولُ وَلَدُكَ أَنْفِقْ عَلَيَّ إِلَى مَنْ تَكِلُنِي؟ وَتَقُولُ زَوْجَتُكَ أَنْفِقْ عَلَيَّ أَوْ طَلِّقْنِي وَيَقُولُ خادمك أنفق علي أو بعني)) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا وُجُوبُ النَّفَقَاتِ بِأَسْبَابِهَا الْمُسْتَحَقَّةِ، فَمِمَّا لَا يَجِدُ النَّاسُ بُدًّا مِنْهُ لِعَجْزِ ذَوِي الْحَاجَةِ عَنْهَا وَقُدْرَةِ ذَوِي الْمُكْنَةِ عَلَيْهَا ليأتلف الخلق بوجود الكافية: فَجَعَلَهَا لِلْأَبَاعِدِ زَكَاةً لَا تَتَعَيَّنُ لِبَعْضِهِمْ عَلَى بعض لعمومها فيهم، وجعلهم لِلْأَقَارِبِ بِأَنْسَابٍ وَأَسْبَابِ مَعُونَةٍ وَمُوَاسَاةٍ تَتَعَيَّنُ لِمَنْ تَجِبُ لَهُ وَعَلَيْهِ لِتَعَيُّنِ مُوجِبِهَا مِنْ نَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ فَمِنْ ذَلِكَ نَفَقَاتُ الزَّوْجَاتِ. وَاجِبَةٌ عَلَى الْأَزْوَاجِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُولِ.

فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] ، فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ، لِأَنَّهَا مِنَ الْفَرْضِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧] ، فَأَمَرَهُ بِهَا فِي يَسَارِهِ وَإِعْسَارِهِ، وَقَالَ تَعَالَى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا ممن أَمْوَالِهِمْ} [النساء: ٣٤] ، فَدَلَّتْ عَلَى وُجُوبِ النَّفَقَةِ مِنْ وَجْهَيْنِ مَعْقُولٍ وَنَصٍّ، فَالْمَعْقُولُ مِنْهَا قَوْلُهُ جَلَّ وعز: {الرجال قوامون على النساء} ، وَالْقَيِّمُ عَلَى غَيْرِهِ هُوَ الْمُتَكَفِّلُ بِأَمْرِهِ، وَالنَّصُّ مِنْهَا قَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>