للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدهما: أن يقلع رجل سن فَيُقْتَصُّ مِنْ سِنِّ الْجَانِي بِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، ثُمَّ تَعُودُ سِنُّ الْجَانِي فَتَنْبُتُ.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ السِّنَّ الْعَائِدَةَ فِي الْمَثْغُورِ هِيَ هِبَةٌ مستجدة وليست حادثة عن الأولة، فَلَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي بِعَوْدِ سَنِّهِ مِنْ قِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ لِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ مِنْهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ هِبَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ السِّنَّ الْعَائِدَةَ فِي الْمَثْغُورِ هِيَ الْحَادِثَةُ عَنِ الْأُولَى، فَفِي وُجُوبِ الِاقْتِصَاصِ مِنْهَا ثَانِيًا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يُقْتَصُّ مِنْهَا إِذَا عادت ثانية كما اقتص منها في الأولة، وَكَذَلِكَ لَوْ عَادَتْ ثَالِثَةً وَرَابِعَةً، لِأَنَّهُ قَدْ أَفْقَدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ سِنَّهُ فَوَجَبَ أَنْ يُقَابَلَ بِمَا يُفْقِدُ سِنَّهُ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا قِصَاصَ فِيهَا لِاسْتِيفَائِهِ مِنْهَا وَأَنَّهُ جَنَى دُفْعَةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَجُزْ أَنَّ يُقْتَصَّ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ دُفْعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَعَلَى هَذَا هَلْ تُؤْخَذُ مِنْهُ دِيَتُهَا أَمْ لَا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: تُؤْخَذُ مِنْهُ الدِّيَةُ لِتَرْكِ سِنِّهِ عَلَيْهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يُؤْخَذُ بِالدِّيَةِ كَمَا لَمْ يُؤْخَذْ بِالْقِصَاصِ، لأن لا يُجْمَعَ بَيْنَ دِيَةٍ وَقِصَاصٍ.

وَالْفَرْعُ الثَّانِي: أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ سِنِّ الْجَانِي بِسِنِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَتَعُودُ سَنُّ الْجَانِي وَتَعُودُ سِنُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، فَلَا قِصَاصَ هُنَا مِنَ الثَّانِيَةِ وَلَا دِيَةَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ مَعًا، لِأَنَّنَا إِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْعَائِدَةَ هِبَةٌ مُسْتَجَدَّةٌ فَهِيَ هِبَةٌ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهَا حَادِثَةٌ عَنِ الْأُولَى فَقَدْ عَادَتْ سِنُّ كُلِّ وَاحِدٍ منهما والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَلَعَ لَهُ سِنًّا زَائِدَةً فَفِيهَا حُكُومَةٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْقَالِعِ مِثْلُهَا فَيُقَادُ مِنْهُ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا السِّنُّ الزَّائِدَةُ فَهِيَ مَا زَادَتْ عَلَى الِاثْنَيْنِ وَالثَّلَاثِينَ سِنًّا الْمَعْدُودَةِ الَّتِي عَيَّنَّاهَا مِنْ أَسْنَانِ الْفَمِ، وَتَنْبُتُ فِي غَيْرِ نِظَامِ الْأَسْنَانِ، إِمَّا خَارِجَةً أَوْ دَاخِلَةً، وَتُسَمَّى هَذِهِ الزِّيَادَةُ سِنًّا ثَانِيَةً، قَالَ الشَّاعِرُ:

(فَلَا يُعْجِبَنْ ذَا الْبُخْلِ كَثْرَةُ مَالِهِ ... فَإِنَّ الشَّغَا نَقْصٌ وَإِنْ كَانَ زَائِدًا)

فَإِذَا جَنَى عَلَيْهَا جَانٍ فَقَلَعَهَا لَمْ يَخْلُ أَنْ يَكُونَ لِلْجَانِي مِثْلُهَا أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلُهَا فَلَا قَوَدَ فِيهَا، لِعَدَمِ مَا يُمَاثِلُهَا، كَمَا لَوْ قَطَعَ نَابَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ نَابٌ لَمْ يُؤْخَذْ

<<  <  ج: ص:  >  >>