للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُتَظَاهِرِ، لِأَنَّ الْمِيرَاثَ مُسْتَحَقٌّ بِالْمَوْتِ وَالنَّسَبِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَثْبُتُ بِالْخَبَرِ الْمُتَظَاهِرِ، وَلَا يَجُوزُ فِيمَا عَدَاهُ مِنَ الْأَسْبَابِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ، وَالْإِحْيَاءِ، لِأَنَّهَا تُعْلَمُ بِالْمُشَاهَدَةِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا مَعَ تَظَاهُرِ الْخَبَرِ بِمِلْكِهِ، هَلْ يَصِحُّ أَنْ يُشْهَدَ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَاهُ مُتَصَرِّفًا فِيهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ حَتَّى يُشَاهِدَ تَصَرُّفَهُ فِيهِ، فَيَجْمَعَ الشَّاهِدُ فِي الْعِلْمِ بِهِ بَيْنَ السَّمَاعِ وَالْمُشَاهَدَةِ لِيَصِلَ إِلَيْهِ مِنْ أَقْصَى جِهَاتِهِ الْمُمْكِنَةِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ يَجُوزُ أَنْ يُشْهَدَ بِسَمَاعِ الْخَبَرِ الْمُتَظَاهِرِ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدِ التَّصَرُّفُ، لِأَنَّ الْخَبَرَ الْمُتَظَاهِرَ أَنْفَى لِلِاحْتِمَالِ مِنَ التَّصَرُّفِ الَّذِي قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمِلْكٍ وَغَيْرِ مِلْكٍ، وَأَصْلُ الْخَبَرِ الْمُتَظَاهِرِ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَدَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي التَّوَاتُرِ، وَوَهِمَ أَبُو حَامِدٍ فَاعْتَبَرَهُ بِشَاهِدَيْنِ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

(فَصْلٌ)

: وَأَمَّا مُشَاهَدَةُ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَشِرَ بِهِ الْخَبَرُ الْمُتَظَاهِرُ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِلْمُتَصَرِّفِ فِيهِ بِالْيَدِ، لِيُحْكَمَ بِهَا عِنْدَ مُنَازَعَتِهِ فِيهِ.

فَأَمَّا إِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكٍ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ التَّصَرُّفِ، فَقَدْ جَوَّزَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قَلِيلِ التَّصَرُّفِ وَكَثِيرِهِ، لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى بَيْعِهِ لِمَا فِي يَدِهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِمِلْكِهِ، وَهُوَ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ مُعْتَبَرٌ بِالتَّصَرُّفِ وَإِنْ قَلَّ زَمَانُهُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ قَدْ يَتَصَرَّفُ تَارَةً بِالْمِلْكِ، وَتَارَةً بِإِجَارَةٍ وَوَكَالَةٍ، وَاسْتِعَارَةٍ، فَلَمْ يَتَعَيَّنِ الْمِلْكُ بِالتَّصَرُّفِ.

وَالثَّانِي: إِنَّهُ لَوْ دَلَّتِ الْيَدُ وَالتَّصَرُّفُ عَلَى الْمِلْكِ لَمَا جَازَ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يَدَّعِيَ دَارًا فِي يَدِ رَجُلٍ، لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُقِرًّا لَهُ بِمِلْكِهَا، وَفِي جَوَازِ ادِّعَائِهَا بَعْدَ ذِكْرِ يَدِهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْيَدَ غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْمِلْكِ، وَلَا يُمْنَعُ صَاحِبُ الْيَدِ مِنَ الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ قَدْ يَبِيعُ بِالْمِلْكِ تَارَةً، وَبَالْوِكَالَةِ أُخْرَى.

فَأَمَّا إِذَا طَالَ زَمَانُ تَصَرُّفِهِ حَتَّى اسْتَمَرَّ، وَكَانَ تَصَرُّفُهُ في العين كالتصرف بالسكنى، والإجازة، وَالْهَدْمِ، وَالْبِنَاءِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ يَصِحُّ الشَّهَادَةُ لَهُ بِالْمِلْكِ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ لَا تَصِحُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ تَعْلِيلِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ يَصِحُّ أَنْ يُشْهَدَ لَهُ بِالْمِلْكِ لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>