السَّيِّدِ بِجَرْحِ مَنْ شَهِدَ عَلَى عَبْدِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ، لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا نَقْصًا فِي حَقِّهِ. وَكَذَلِكَ شَهَادَةُ الْوَكِيلِ بِجَرْحِ شُهُودٍ شَهِدُوا عَلَى مُوَكِّلِهِ.
وَمِنْهَا شَهَادَةُ الْوَصِيِّ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ كَانَ عَلَى الْمُوصِي. لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا الْمُطَالَبَةَ عَنْ نَفْسِهِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ الْمُوصَى لَهُ بِعَزْلِ مُشَارِكٍ لَهُ فِي الْوَصِيَّةِ. لِأَنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا مُزَاحَمَتَهُ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَشْهَدَ غُرَمَاءُ الْمُفْلِسِ بِالْإِبْرَاءِ مِنْ دَيْنٍ كَانَ عَلَى الْمُفْلِسِ، لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ بِهَا مُزَاحَمَةَ صَاحِبِ الدَّيْنِ لَهُمْ.
وَمِنْهَا أَنْ تَشْهَدَ الْقَافِلَةُ بِجَرْحِ شُهُودٍ شَهِدُوا بِالْقَتْلِ الْخَطَأِ، لِأَنَّهُمْ يَدْفَعُونَ بِهَا تَحَمُّلَ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ. إِلَى نَظَائِرِ هَذَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
( [الْقَوْلُ فِي شَهَادَةِ الْعَدُوِّ وَالْخَصْمِ] )
(مَسْأَلَةٌ)
: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا عَلَى خَصْمٍ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَمَّا شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ فَمَرْدُودَةٌ لَا تُقْبَلُ. وَأَجَازَهَا أَبُو حَنِيفَةَ. احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ. وَلِأَنَّ الدِّينَ وَالْعَدَالَةِ يَمْنَعَانِ مِنَ الشَّهَادَةِ بِالزُّورِ.
وَلِأَنَّ الْعَدَاوَةَ إِنْ كَانَتْ فِي الدِّينِ لَمْ تَمْنَعْ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ، كَمَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْلِمِ عَلَى الْكَافِرِ مَعَ ظُهُورِ الْعَدَاوَةِ. وَإِنْ كَانَتْ فِي الدُّنْيَا فَهِيَ أَسْهَلُ مِنْ عَدَاوَةِ الدِّينِ فَكَانَتْ أَوْلَى أَنْ تُقْبَلَ.
وَدَلِيلُنَا: قَوْله تَعَالَى: {ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا} .
وَالْعَدَاوَةُ مِنْ أَقْوَى الرَّيْبِ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ ".
وَالْغَمْرُ: الْعَدَاوَةُ، وَهَذَا نَصٌّ.
وَلِأَنَّهَا شَهَادَةٌ تَقْتَرِنُ بِتُهْمَةٍ، فَلَمْ تُقْبَلْ كَشَهَادَةِ الْوَالِدِ للولد.