وَاحِدَةٌ، ثُمَّ النَّصْرَانِيُّ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ المُرْتَدِّ، لِأَنَّهُ يُقَرُّ عَلَى نَصْرَانِيَّتِهِ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يُقَرُّ عَلَى رِدَّتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا كَانَ حُدُوثُ إِسْلَامِ النَّصْرَانِيِّ بَعْدَ أَنْ قَتَلَ نَصْرَانِيًّا لَا يَمْنَعُ مِنَ القَوَدِ لِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَى الْكُفْرِ عِنْدَ الْقَتْلِ، كَذَلِكَ تَقَدُّمُ إِسْلَامِ الْمُرْتَدِّ عَلَى قَتْلِهِ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ مِنَ القَوَدِ، لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلَامِ عِنْدَ ثُبُوتِهِ أَوْكَدُ مِنْ حُرْمَتِهِ بَعْدَ زَوَالِهِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْمُرْتَدِّ فِي قَتْلِ النَّصْرَانِيِّ لِأَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَنْ جَرَتْ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِالرِّدَّةِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا أَجْرَى عَلَى الْمُرْتَدِّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ فِي غَيْرِ الْقَوَدِ، بِمَا يُؤْخَذُ مِنْ زَكَاةِ مَالِهِ، وَيُؤْخَذُ بِقَضَاءِ مَا تَرَكَ مِنْ صَلَوَاتِ وَقْتِهِ، ولا يؤخذ منه الجزية، لأن لا يجري عليه صغر الْكُفْرِ، وَتُمْنَعُ الْمُرْتَدَّةُ مِنْ نِكَاحِ كَافِرٍ لِثُبُوتِ حُرْمَةِ الْإِسْلَامِ لَهَا، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ الْإِسْلَامِ جَارِيًا عَلَيْهِ فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ بِقَتْلِ الْكَافِرِ، وَبِهَذَا يُدْفَعُ احْتِجَاجُ الْمُزَنِيِّ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا ثَبَتَ تَوْجِيهُ الْقَوْلَيْنِ، فَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ كَانَتْ دِيَةُ النَّصْرَانِيِّ فِي مَالِهِ، سَوَاءٌ قُتِلَ بِالرِّدَّةِ أَوْ رَجَعَ عَنْهَا، وَيَكُونُ بَاقِي مَالِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ إِنْ قَلَّ لِبَيْتِ الْمَالِ، وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْقَوَدَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَوَلِيُّ النَّصْرَانِيِّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْعَفْوِ، فَإِنْ عفى عَنْهُ إِلَى الدِّيَةِ فَعَلَى مَا مَضَى، وَإِنْ أَرَادَ الْقَوَدَ فَلِلْمُرْتَدِّ حَالَتَانِ
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيَسْقُطَ قَتْلُ الرِّدَّةِ وَيُقْتَلَ قَوَدًا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُقِيمَ عَلَى رِدَّتِهِ فَيُقَالُ لِوَلِيِّ الْمَقْتُولِ: إِنْ عَدَلْتَ إِلَى الدِّيَةِ قَتَلْنَاهُ بِالرِّدَّةِ، وَإِنْ أَقَمْتَ عَلَى طَلَبِ الْقَوَدِ قَتَلْنَاهُ قَوَدًا، وَدَخَلَ فِيهِ قَتْلُ الرِّدَّةِ، وَكَانَ جَمِيعُ مَالِهِ فَيْئًا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُقَدَّمُ قَتْلُهُ بِالْقَوَدِ عَلَى قَتْلِهِ بِالرِّدَّةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْخَصْمَ فِي الْقَوَدِ آدَمِيٌّ حَاضِرٌ فَكَانَ أَوْكَدَ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَتْلِ الرِّدَّةِ أَنْ لَا يُوجَدُ مِنْهُ الْإِقَامَةُ عَلَيْهَا، وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي قَتْلِهِ قَوَدًا.
(فَصْلٌ)
فَأَمَّا إِذَا قَتَلَ نَصْرَانِيٌّ مُرْتَدًّا فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ لِأَصْحَابِنَا:
أَحَدُهَا: وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: أَنَّهُ لا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَلَا دِيَةَ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ فَسَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ مُسْلِمٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ الْقَوَدَ أَوِ الدِّيَةَ وَإِنْ لَمْ يَجِبْ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي قَتْلِهِ قَوَدٌ وَلَا دِيَةٌ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ مُبَاحُ الدَّمِ فِي حُقُوقِ