بِالِاسْتِمْتَاعِ مِنَ النَّهَارِ فَاخْتَصَّ بِهِ الزَّوْجُ وَلَزِمَ السَّيِّدَ تَسْلِيمُهَا فِيهِ، وَالْحُرَّةُ بِخِلَافِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكِ الزَّوْجَ مُسْتَحِقٌّ لِلْخِدْمَةِ فَلِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا لَيْلًا وَنَهَارًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَهِيَ مَالِكَةٌ لِخِدْمَةِ نَفْسِهَا فَهَلَّا اسْتَحَقَّتْ مَنْعَ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا فِي زَمَانِ الْخِدْمَةِ وَهُوَ النَّهَارُ كَالْأَمَةِ؟
قِيلَ: لِأَنَّ الْخِدْمَةَ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ عَلَيْهَا، فَصَارَ فَى تَزْوِيجِهَا تَفْوِيتٌ لِحَقِّهَا مِنَ الْخِدْمَةِ، فَخَالَفَتِ الْأَمَةَ الَّتِي قَدْ مَلَكَ مِنْهَا الْخِدْمَةَ، فَإِنْ قِيلَ فَإِنْ كَانَتِ الْحُرَّةُ قَدْ أَجَرَتْ نَفْسَهَا لِلْخِدْمَةِ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ أَيَكُونُ نَهَارُ الْخِدْمَةِ خَارِجًا مِنَ اسْتِمْتَاعِ الزَّوْجِ وَيَخْتَصُّ اسْتِمْتَاعُهُ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ قِيلَ نَعَمْ، وَلَوْ رَامَتِ الزَّوْجَةُ أَنْ تُؤْجِرَ نَفْسَهَا بَعْدَ التَّزْوِيجِ لَمْ يَجُزْ لَهَا؛ لِأَنَّهَا قَبْلَ التَّزْوِيجِ مَمْلُوكَةُ الِاسْتِخْدَامِ وَهِيَ بَعْدَ التَّزْوِيجِ مُفَوِّتَةٌ لِحَقِّهَا مِنْهُ، وَإِذَا تَقَدَّمَتِ الْإِجَارَةُ وَكَانَ الزَّوْجُ عَالِمًا بِهَا فَلَا خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَالِمًا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ قِيَامِهِ عَلَى النِّكَاحِ وَبَيْنَ فَسْخِهِ؛ لِأَنَّ تَفْوِيتَ الِاسْتِمْتَاعِ فِي النَّهَارِ عَيْبٌ فَاسْتَحَقَّ بِهِ الْفَسْخَ فَلَوْ مَكَّنَ الْمُسْتَأْجِرُ مِنَ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِي النَّهَارِ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُ مِنَ الْخِيَارِ، لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ مُتَطَوِّعٌ بِالتَّمْكِينِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَطَوُّعِهِ خِيَارٌ مُسْتَحَقٌّ، فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ التَّمْكِينَ مِنَ الْأَمَةِ مُسْتَحَقٌّ فِي اللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ بِخِلَافِ الْحُرَّةِ مَا لَمْ تَتَقَدَّمْ إِجَارَتُهَا فَلِلسَّيِّدِ حَالَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهَا لَيْلًا وَنَهَارًا فَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهَا لِكَمَالِ اسْتِمْتَاعِهِ بِهَا.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْهَا لَيْلًا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْتَاعِ وَيَمْنَعُهُ مِنْهَا نَهَارًا فِي زَمَانِ الِاسْتِخْدَامِ. فَلَا خِيَارَ لِلزَّوْجِ فِي فَسْخِ نِكَاحِهَا إِذَا كَانَ عَالِمًا بِرِقِّهَا؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ، وَفِي نَفَقَتِهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِنَا إِنَّهُ لَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ لِقُصُورِ اسْتِمْتَاعِهِ عَنْ حَالِ الْكَمَالِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي إِنَّ عَلَيْهِ مِنْ نَفَقَتِهَا بِقِسْطِهِ مِنْ زَمَانِ الِاسْتِمْتَاعِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ على الزوج عشاؤها وعلى السيد غذاؤها لأن العشاء يراد لزمان الليل والغذاء يُرَادُ لِزَمَانِ النَّهَارِ، وَعَلَيْهِ مِنَ الْكِسْوَةِ مَا تَتَدَثَّرُ بِهِ لَيْلًا وَعَلَى السَّيِّدِ مِنْهُ مَا تَلْبَسُهُ نَهَارًا، وَإِنَّمَا تُقَسَّطُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ مَعَ وُجُودِ الِاسْتِمْتَاعِ لِئَلَّا يَخْلُوَ اسْتِمْتَاعٌ بِزَوْجَةٍ مِنَ اسْتِحْقَاقِ نَفَقَةٍ. كَالْحُرَّةِ إِذَا مَكَّنَتْ فِي يَوْمٍ وَنَشَزَتْ فِي يَوْمٍ.
(الْقَوْلُ فِي اخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ فِي قَبْضِ النَّفَقَةِ)
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَا يُبْرِئُهُ مِمَّا وَجَبَ لَهَا مِنْ نَفَقَتِهَا وَإِنْ كَانَ حَاضِرًا مَعَهَا إِلَّا إِقْرَارُهَا أَوْ بَيِّنَةٌ تَقُومُ عَلَيْهَا ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute