تَتَدَاخَلْ بِاخْتِلَافِ مَنْ لَهُ الْعِدَّةُ، وَلِأَنَّهَا لَوْ وُطِئَتْ بِالشُّبْهَةِ فِي عِدَّةِ الْوَفَاةِ لَمْ تَتَدَاخَلِ الْعِدَّتَانِ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي عِدَّةِ الطَّلَاقِ وَجَبَ أَنْ لَا تَتَدَاخَلَ الْعِدَّتَانِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ الْآيَتَيْنِ فَهُوَ أَنَّ صِيغَةَ اللَّفْظِ تَضْمَنُ عِدَّةً وَاحِدَةً فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُحْمَلَ عَلَى عِدَّتَيْنِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى تَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ مِنْ وَاحِدٍ فَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ اسْتِبْرَاءٌ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ فَجَازَ أَنْ يَتَدَاخَلَ، وَإِذَا كَانَ مِنِ اثْنَيْنِ فَهُوَ اسْتِبْرَاءٌ مِنْ مَائَيْنِ فَلَمْ يَتَدَاخَلَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ إِذَا عُرِفَ بَرَاءَةُ رَحِمِهَا عَنْ أَحَدِهِمَا عُرِفَ بَرَاءَتُهُ فِي حَقِّهِمَا.
فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْعِدَّةَ اسْتِبْرَاءٌ وَتَعَبُّدٌ فَإِذَا عُرِفَ الِاسْتِبْرَاءُ لَمْ يَسْقُطْ مَعَهُ التَّعَبُّدُ كَعِدَّةِ الصَّغِيرَةِ وَغَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا فِي الْوَفَاةِ.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْعِدَّةَ تَتَّصِلُ بِسَبَبِهَا وَلَا تَنْفَصِلُ عَنْهُ فَفَاسِدٌ بِمَسْأَلَتِنَا لِانْفِصَالِ عِدَّةِ الْأَوَّلِ فِي مُدَّةِ وَطْءِ الثَّانِي ثُمَّ بِالْمُطَلَّقَةِ فِي الْحَيْضِ وَلَيْسَ الحيض، وإنها تستقبل العدة بما بعد بعض حَيْضِ الطَّلَاقِ، وَمَا قَالُوهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُخْتَلِعَةِ عَلَيْهِ إِذَا وُطِئَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ نِكَاحِهَا، لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ بَعْدَ عِدَّتِهِ حَتَّى تَقْضِيَ عِدَّةَ غَيْرِهِ فَصَارَتْ كَالْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ.
وَأَمَّا اعْتِبَارُهُمْ بِتَدَاخُلِ الْأَجَلَيْنِ فَلَا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَجَلَ فِي الدَّيْنِ حَقٌّ لِمَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَلَهُ إِسْقَاطُهُ بِالتَّعْجِيلِ، وَالْأَجَلُ فِي الْعِدَّةِ حَقٌّ عَلَى مَنْ عَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهُ بِالْعَفْوِ فَافْتَرَقَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَقْصُودَ الْآجَالِ مَا بَعْدَهَا مِنَ الْحُقُوقِ وَهِيَ غَيْرُ مُتَدَاخِلَةٍ، وَالْعِدَدُ هِيَ الْحُقُوقُ الْمَقْصُودَةُ فَاقْتَضَى قِيَاسُهُ أَنْ لَا يَتَدَاخَلَ.
(فَصْلٌ)
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قُلْتُمْ بِتَدَاخُلِ الْعِدَّتَيْنِ فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ فَلَزِمَكُمْ أَنْ تَقُولُوا بِهِ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ.
إِحْدَاهُنَّ: فِي زَوْجَةٍ لِرَجُلٍ وَطِئَهَا أَجْنَبِيٌّ بِشُبْهَةٍ فَدَخَلَتْ فِي عِدَّةِ الْوَاطِئِ ثُمَّ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَاءِ عِدَّةِ الْوَاطِئِ اسْتَأْنَفَتْ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَدَخَلَتْ فِيهَا عِدَّةُ الْوَاطِئِ بِشُبْهَةٍ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لأصحابنا فيها وجهان:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْعِدَّتَيْنِ لَا يَتَدَاخَلَانِ كَمَا لَمْ يَتَدَاخَلَا فِي غَيْرِهِمَا، وَيَكُونُ هَذَا أَصْلًا مُسْتَمِرًّا وَتَأْتِي بِمَا بَقِيَ مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ لِتَقَدُّمِهَا ثُمَّ تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا تَسْتَأْنِفُ عِدَّةَ الطَّلَاقِ، وَيَسْقُطُ بِهَا الْبَاقِي مِنْ عِدَّةِ الْوَطْءِ وَلَا تَدْخُلُ بَقِيَّتُهَا فِي عِدَّةِ الطلاق.