أُخِذَ مِنْ غَيْرِهِ مَا جَبَرَهُ، فَصَارَ بَدَلًا مِنْهُ، وَحَمَلَ قَائِلُ هَذَا الْوَجْهِ صُلْحَ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ كَثْرَةَ أَمْوَالِهِمْ وَأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْ ذَوِي الْأَمْوَالِ يَفِي بِجِزْيَةِ جَمِيعِهِمْ
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّهُ يَجُوزُ حَمْلُهُمْ عَلَيْهِ إِذَا بَلَغَ الْمَأْخُوذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دِينَارًا فَصَاعِدًا، فَإِنْ نَقَصَ عَنِ الدِّينَارِ أُخِذَ مِنْهُ تَمَامُ الدِّينَارِ، وَلَا يُجْبَرُ بِزِيَادَةِ غَيْرِهِ؛ وَمَنْ لَمْ يَمْلِكْ نِصَابًا مُزَكًّى، أُخِذَ مِنْهُ دِينَارُ الْجِزْيَةِ وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِأَخْذِهَا مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ أَهْلَ الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَرُّوا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ عَلَى التَّأْبِيدِ بِغَيْرِ جِزْيَةٍ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُنْقَصَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينَارِ الْجِزْيَةِ، وَحَمْلُ صُلْحِ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ أَنَّ جَمِيعَهُمْ أَغْنِيَاءُ؛ لِمَا شَاهَدَهُ مِنْ كَثْرَةِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يَعْجِزُ عَنِ الْمَأْخُوذِ مِنْهُ عَنْ دِينَارٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الْأَقْيَسُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الْأَشْبَهُ بِصُلْحِ عُمَرَ.
(فَصْلٌ)
: فَإِذَا ثَبَتَ مَا ذَكَرْنَا كَانَتْ مُضَاعَفَةُ الصَّدَقَةِ مَأْخُوذَةً مِنْ أَمْوَالِ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: آخُذُهَا مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ، احْتِجَاجًا بِأَنَّ مَا أُخِذَ بِاسْمِ الصَّدَقَةِ، وَكَانَ النِّصَابُ فِيهِ وَالْحَوْلُ فِيهِ مُعْتَبَرَيْنِ اشْتَرَكَ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ كَالزَّكَاةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَخَرَجَ مِنْهُ الصِّبْيَانُ؛ لِأَنَّهُ لَا زَكَاةَ عَلَيْهِمْ
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ الْمَأْخُوذَ بِالْإِقْرَارِ عَلَى الْكُفْرِ جِزْيَةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَخْتَصَّ بِالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ كَالدِّينَارِ، وَلِأَنَّ النِّسَاءَ مَحْقُونَاتُ الدِّمَاءِ، فَلَمْ تُضَاعَفْ صَدَقَةُ الْجِزْيَةِ كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قِيَاسِهِمْ عَلَى الزَّكَاةِ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهَا جِزْيَةٌ، فَكَانَ اعْتِبَارُهَا بِالْجِزْيَةِ أَوْلَى مِنَ اعْتِبَارِهَا بِالزَّكَاةِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهَا لَمَّا خَرَجَتْ عَنِ الزَّكَاةِ قَدْرًا وَمَصْرِفًا خَرَجَتْ عَنْهَا حُكْمًا وَالْتِزَامًا
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا كَانَ النِّصَابُ فِي مُضَاعَفَةِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ مُعْتَبَرًا، فَفِي زَمَانِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: إِنَّهُ يُعْتَبَرُ بِوُجُودِ النِّصَابِ فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ كَالزَّكَاةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: إِنَّهُ يُعْتَبَرُ وُجُودُهُ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اعْتُبِرَ الْيَسَارُ بِدِينَارِ الْجِزْيَةِ، فِي رَأْسِ الْحَوْلِ كَذَلِكَ النِّصَابُ؛ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ مِنْهُ جِزْيَةٌ
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ لَمْ يَخْلُ النِّصَابُ من أربعة أحوال:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا فِي الْحَوْلِ كُلِّهِ، فيؤخذ منه.