للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَبْنِي عَلَى مَا مَضَى مِنْ لِعَانِهِ قَبْلَ مَوْتِهَا، فَإِنْ كَانَ الْوَلَدُ قَدْ مَاتَ جَازَ أَنْ يُلَاعِنَ لِنَفْيِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَلَا يَرِثُ الولد وإن ورث الزَّوْجَةَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ وُقُوعَ الْفُرْقَةِ لَا يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الزَّوْجِيَّةِ قَبْلَ الْفُرْقَةِ، وَنَفْيَ الْوَلَدِ يَمْنَعُ مِنْ نِسْبَتِهِ قَبْلَ النَّفْيِ، فَلِذَلِكَ وَرِثَ الزَّوْجَةَ إِذَا مَاتَتْ قَبْلَ لِعَانِهِ، وَلَمْ يَرِثِ الْوَلَدَ إِذَا مَاتَ قَبْلَ لِعَانِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجَةِ وَلَدٌ زَالَ حُكْمُ نَفْيِهِ بِاللِّعَانِ وَبَقِيَ حَدُّ الْقَذْفِ وَهُوَ عِنْدَنَا مَوْرُوثٌ فَإِنْ طَالَبَهُ بِهِ الْوَرَثَةُ كَانَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ لِإِسْقَاطِهِ وَلَا يَمْنَعَهُ اللِّعَانُ لِإِسْقَاطِهِ وَلِنَفْيِ الْوَلَدِ مِنْ مِيرَاثِهَا لِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالْمَوْتِ لَا باللعان، فإن قيل: أفليس إذا ورثها حَقَّهُ مِنْ حَدِّ قَذْفِهَا؟ فَهَلَّا سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ كَمَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْقِصَاصِ إِذَا وَرِثَ بَعْضَهُ؟ .

قِيلَ: لِأَنَّ مِيرَاثَ الْقِصَاصِ مُشْتَرَكٌ عَلَى الْفَرَائِضِ فَإِذَا وَرِثَ بَعْضَهُ سَقَطَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ حَدُّ الْقَذْفِ، لِأَنَّ كُلَّهُ مِيرَاثٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْوَرَثَةِ فَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ كُلَّهُ، فَإِنْ عفى الْوَارِثُ عَنِ الْحَدِّ لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ لِأَنَّ الْفِرَاشَ قَدِ ارْتَفَعَ بِالْمَوْتِ، وَالْحَدُّ قَدْ سَقَطَ بِالْعَفْوِ وَلَيْسَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُنْفَى فَلَمْ يَبْقَ مَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى اللِّعَانِ فَلِذَلِكَ سَقَطَ، فَأَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَارِثٌ فَفِي قِيَامِ الْإِمَامِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ لَهَا وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ، لِأَنَّ الْإِمَامَ مَقَامَ الْوَرَثَةِ فِي الْمَالِ فَقَامَ مَقَامَهُمْ فِي اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ. فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ لِإِسْقَاطِهِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ لَيْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ وَإِنِ اسْتَوْفَى مِيرَاثَهَا لِبَيْتِ الْمَالِ، لِأَنَّ لِبَيْتِ الْمَالِ حُقُوقًا مُسْتَفَادَةً تُخَالِفَ حَدَّ الْقَذْفِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ.

(فَصْلٌ)

وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَبْلَ إِكْمَالِ اللِّعَانِ هُوَ الزَّوْجَ فَلِلزَّوْجَةِ مِيرَاثُهَا مِنْهُ لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ إِلَى الْمَوْتِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، وَلَا يَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ نَفْيُهُ وَهُوَ وَارِثٌ مَعَهُمْ، لِأَنَّ اللِّعَانَ لَا يَتَوَلَّاهُ إِلَّا زَوْجٌ. وَحَدُّ الْقَذْفِ قَدْ بَطَلَ اسْتِيفَاؤُهُ بِمَوْتِ مَنْ لَزِمَهُ وَلَيْسَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالْمَالِ كَالْقِصَاصِ فَلِذَلِكَ بَطَلَ حكمه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " فَإِنِ امْتَنَعَ أَنْ يُكْمِلَ اللِّعَانَ حُدَّ لَهَا ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا شَرَعَ فِي اللعان إما في حياتها أبو بَعْدَ مَوْتِهَا، ثُمَّ امْتَنَعَ أَنْ يُكْمِلَهُ حُدَّ لَهَا حَدَّ الْقَذْفِ سَوَاءٌ بَقِيَ مِنْ لِعَانِهِ أَقَلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ، وَحَتَّى لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَاتِ الْأَرْبَعِ وَبَقِيَتِ اللَّعْنَةُ الْخَامِسَةُ حُدَّ لَهَا كَمَا لَوْ لَمْ يَأْتِ بِشَيْءٍ مِنْ لِعَانِهِ وَلَا يتسقط الْحَدُّ عَلَى أَعْدَادِ اللِّعَانِ لِأَمْرَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>